Tuesday, January 4, 2011

أن تمارس البكاء حتى البلل

تقترب الساعة من الثانية عشرة منتصف الليلة الأخيرة من العام ..  يتعلق بصرك بعقارب الساعة التى أوشكت على مداعبة اللحظات الأولى من العام الجديد .. 

لم تشعر يوماً أنك صانع أحداث فى ذلك العام المُنقضى .. ولا حتى تلك الأحداث التى تخصك .. تشعر أنك فى هذا البلد كمن يشاهد فيلم سينمائى له مُخرج؛ يحرك فيه الأحداث ويستحيل – مهما أراد المشاهد – أن يُغير فى أحداث الفيلم..

تفتح النافذة لتشاهد فى بهجة أضواء الإحتفال بالكريسماس .. يخفق قلبك بشدة حينما تعلن الساعة ميلاد الليلة الأولى .. تجرى مسرعاً إلى القناة الأولى التى تعودت على متابعتها فى تلك اللحظة المجيدة التى لا تتكرر إلا مرة واحدة فى العام حيث المذيعات يتحلين بإبتسامة بلهاء فرحاً بالعام الجديد..

تسرع إلى عالمك الفيسبوكى الجميل تهب عليك الأمنيات الطيبة من كل "إستيتوس" تشعر بنشوة لا حدود لها حينما تجد أن صديقتك الجميلة قد عملت لك "تاج" فى صورة بها وجه مبتسم ثم فجاءة.. 

تنقلب الدنيا ظلاماً..
ستشاهد صور الأشلاء التى تفجرت فيها قنبلة الـ "تى إن تى" ذات المسامير والشظايا .. وتعرف أن من بين القتلى فتاة جميلة وشاب فى ريعان شبابه وأب يحمل هموم الدنيا وأم .. تجمدت في عينيها نظرتها الحانية الغلبانة قبل أن تتفجر جمجمتها.. 
وستعرف أن هؤلاء جميعاً مسيحيون، فتهتف "يحيا الهلال مع الصليب" وتضع لقطة يتعانق فيها الهلال مع الصليب كصورة لبروفايلك.

ستنشأ جروباً على الفيسبوك وتسميه "محمد وجرجس" أو "كلنا مريم" وستدعو مع الآلاف غيرك إلى المسيرات والوقفات الإحتجاجية..

يمر يومان تتضح بعدها الأحداث وتقرأ مزيداً من التهديدات فتترقب يوم الخميس ليلة السابع من يناير فى خوف وترقب، وتتسأل هل يمكن لهؤلاء أن يعيدوا الكرّة وتتكرر الكارثة؟

ستفكر جدياً فى الذهاب إلى الكنيسة للمساهمة فى حملة "الدروع البشرية" لكنك تفكر فى لحظو ما أن الموضوع قد ينقلب جد، وترجع إلى منزلك أشلاءاً مقطعة، وتتخيل اللحظة التى يخبرون فيها أمك وأبيك بأنك أصبحت أشلاءاً فتتراجع وتكتفى بالشجب.

ستتساءل عن إحساس أصدقاءك المسيحيون الذين سيذهبون ليلة العيد ليقيمون القداس ويحتفلون بميلاد المسيح، ينتابك للحظة شعور جارف بالخوف من النزول فى الشارع أو المرور من أمام كنيسة تكتفى بالترقب والتساءل.

تكتب أكثر من 100 إستيتوس على الفيسبوك، نصفها على الأقل حزناً على الضحايا والنصف الأخر ترتدى فيه ثوب الحكمة .. تلعن الأمن المقصر فى أداء واجبه .. وتقدم النصائح .. تنتقد الشخصيات .. وتقوم بعمل اللايكات الغزيرة والتعليق بكل حماس على كل إستيتوس يمس القضية.

ستدخل حتماً – ولو بالصدفة – على بروفايل "مريم فكرى" إحدى الضحايا التى لقت نحبها بعد أن بثت فى إستيتوسها الأخير كل آلامها وآمالها فى العام الجديد، وستتمعن فى الصور فترتسم في مخيلتك كيف تحول هذا الجمال الباهر والشباب البرئ الناضر إلى أشلاء دموية..

ستشعر لأول مرة فى حياتك شعور المتهم كلما قابلت صديقاً مسيحياً معتقداً أنه قد بدأ فى مبادلتك نظرات الإتهام ثم تجد نفسك لأول مرة مدافعاً عن المسيحيين وحقوقهم فى جلسات لا يحضرها مسيحيين، وتتحدث عن الإرهاب بنفس الطريقة التى كنت تسمعها من أمك وأبيك أو بطريقة مذيعى التليفزيون والتى كنت تسخر منها.

ستدخل غرفتك التى علقت فيها خريطة كبيرة للعالم تقترب اكثر منها فيبدو لك ذلك المربع الذى يمثل خريطة مصر تمعن النظر فيه بأسى .. يخفق قلبك فى ضلوعك خوفاً على ذلك المربع .. قبل أن تسقط من عينيك دمعة سرعان من تمسحها بيدك قبل أن يشاهدها أحد.

أحمد الصباغ

No comments:

Post a Comment