يعرف المقربون منى أننى أمتلك ثلاثة أطقم :
الطقم الذى أرتديه فى المقابلات الهامة والمناسبات العظيمة وهو خليط من الألوان الزاهية الأنيقة وهذا الطقم هو ما نسميه مجازاً بـ الحتة الزفرة
الطقم الخنيق وهو الطقم الذى أرتديه فى المناسبات الخنيقة وعند مقابلة الأشخاص الخنيقين وذلك من باب الخنقة عليهم حتى لا أفتح نفسهم لمزيد من الكلام والرغى وهو مزيج من ألوان كئيبة تتراوح ما بين الرمادى (لون حوائط اقسام الشرطة) والسمنى الداكن (لون حوائط المصالح الحكومية) والأسود.
طقم البهدلة وهو الطقم الذى أرتديه كل عام يوم شم النسيم حين تتراص أمامى الرنجة والفسيخ والسردين والملوحة ويُهدر دم الليمون وتتقطع أوصال البصل الأخضر ، وهناك نسخة اخرى من هذا الطقم ارتديتها حينما عملت كصبى ميكانيكى وصبى نجار وصبى حجّار وحينما شاركت مع المتطوعين فى كنس الشوارع وتلوين الأرصفة وهو الطقم الذى أشارك به الأهل والجيران فى عملية دبح الأضحية .. بإختصار هو طقم المواطنة
وحينما أزور مبارك فى سجنه فهى ليست زيارة شماتة ولا زيارة محبة، وإنما زيارة لتوصيل رسالة هامة لا سبيل إلى إيصالها سوى تلك الزيارة الخيالية.
وعندما بدأت الإعداد لتلك الزيارة واجهتنى حيرة شديدة فى حسم عدة معضلات
المعضلة الأولى : الطقم المناسب لتلك الزيارة..
هل هو الحتة الزفرة التى تليق برئيس سابق حكم بلد عظيم يطل على ناصيتين .. ناصية بحر أحمر وناصية بحر متوسط .. لمدة ثلاثين عاماً مؤبدة، أم طقم الخنقة الذى يليق بمشاعرى ومشاعر المصريين تجاهه، أم طقم البهدلة الذى يليق بمواطن خارج من فترة حكم مبارك.
استقر بى الرأى أخيراً على إختيار طقم المواطنة، ذلك الطقم الذى تنبعث منه خليط من روائح الوطن من فسيخه وسردينه وقمامته وورشه ودخانه وتلوثه وفقره ودماءه.
المعضلة الثانية : آخد له ايه معايا إيه فى الزيارة؟
عيش وحلاوة كما يفعل دائماً زوار السجناء؟ أم برتقال بإعتباره مريض والبرتقال حلو للحاجات دى؟ أم دستة جاتوه تكسر الحاجز النفسى الذى حتماً سأجده بينى وبينه حيث أننا لم نلتقى من قبل؟
لكننى طرحت كل تلك الأفكار جانباً، واستيقظت يوم جمعة بدرى ذاهباً إلى الإمام الشافعى حيث تفترش بائعات الورد الشارع المؤدى إلى المقابر، وهناك تباع انواع غريبة من الورد .. تذكرك – على عكس الورد العادى - بالموت أكثر مما تذكرك بالحياة.
وحتى يكتمل معنى الهدية فسأحصل على نسخة 6 فى 9 من صور شهداء الحرية .. شهداء ثورة 25 يناير .. أرصع بها بوكية الورد.
لن أنسى صورة للشهيد سليمان خاطر .. والشهيد كمال السنانيرى .. والدكتور علاء محيى الدين .. والشهيد أكرم الزهيرى .. والمهندس مسعد قطب .. .. تحيط بهم عشرات الصور لقتلى عبارة السلام 98 والمحروقين فى قطار الصعيد والمحروقين من فنانى قصر ثقافة بنى سويف.
صورة خالد سعيد ستتصدر البوكية .. وبجوارها صورة سيد بلال وصورة مريم فكرى وشهداء كنيسة القديسين، تحيط بهم عشرات الصور المبتسمة لوشوش مجهولة لأطفال ماتوا بالسرطان وبالفشل الكلوى.
لن أنسى صورة الدكتور عبد الوهاب المسيرى.. والدكتور أحمد مستجير .. والأستاذ محمود عوض .. والدكتور محمد السيد سعيد .. والفريق سعيد الدين الشاذلى.
يمكن دلوقت مش محتاج أكتر من ترك ذلك البوكية فى الإستقبال .. مش محتاج أقابله .. أللهم إلا عشان يشم ريحة الطقم اللى لابسة .. طقم الحرية .. طقم الوطن.
أحمد الصبّاغ
No comments:
Post a Comment