Friday, June 12, 2009

هُنا رجلٌ مُتعب


الحياة صعبة ، والعيشة مُرّة والجميع يعانون من ضنك الحياة ، الشباب تعانى من كبت وحرمان جنسى رهيب ، والكبار تعانى أمراض السكر والضغط والمفاصل ، والأطفال تعانى الحرمان وثقل شنطة المدرسة ، وعمّالة الأطفال ، والخطف والإغتصاب ، والجميع يعانون من الفقر والمرض والخوف والإحباط .. حتى صار اليأس يخيم علينا جميعاً ..

الحل كان فى اللجوء إلى الله .. ولما ماتت قلوبنا ، وأصبحنا بعيدين عن الله كل البعد ، أصبح الحل فى كأس مثلج يحمل الهموم بين أمواج الخمر بعيداً إلى حيث لا رجعة إلى مطلع الصبح ، أو فى سيجارة ملفوفة تحيط سماءاتنا بطبقة من الدخان الأزرق ، يمنع تساقط الأفكارِ ، ويغيّب ضوءَ الشمسِ ، ويُحيل النهارَ إلى ظلامٍ حالك .. يمنع عن عيوننا طعناتِ الفقرِ والإرهاقِ والحرمانِ ونيرانِ الكبتِ الجنسى التى تشتعلُ فينا ليل نهار ..

.. وعندما رأيتُ "سلمى" علمتَ أن هناك على كوكب الأرض من لايرى ما تراه أعيننا المتعبةُ المرهقةُ ، ولا يعانى أوارَ الأجسادِ الملتهبةِ فى جوفِ الليلِ وعز النهار ، ولا يرى ما نراه من مرارة الفقر وذل العيش وضنك اليوم وظلمة الغد وحلاكة المستقبل الذى لا يأتى إلا بقدرٍ هائل من خوازيق المفاجأة ...

و "سلمى" لا تعرف الفقر .. لإنها توهب جسدها للرجال ، لمن يدفع مالاً منهم ، ولا تذوق مرارة الكبتِ ، لإنها تذوق لذةَ الحبِّ فى اليوم والليلة عشراتِ المراتِ ، ولا تعرف قشعريرة برودة الإفلاس لإنها دائماً دافئة بالأموال كما هى دافئة بالأحضان وقبلات الرجال ..

ثم تحدثت معاها ..
وجدتها إنسانة طيبة ، تتعامل بفطرةٍ غريبةٍ ، وبصدقٍ عجيب ، وبصفاءِ نفسٍ تُحسد عليه ، وبمرونةٍ شقيةٍ ، تُوهب السعادةَ لكل من يقترب منها .. رجلُ كان أم إمرأة..
 نعم .. حتى النساء توهبهن صدقاً وطيبةً وإشفاقاٌ وحناناً ووداً ، تستمع إليهن بإنصاتٍ شديد وتشملهن بعطف مادىّ ومعنوىّ لا حدود له..
هى  ذات إبتسامةٍ واسعة ، إستغربت لإنها وهبتنى تلك الإبتسامة الجميلة دون أن أدفع ، بل لاحظت أنها كانت على إستعداد أن توهبنى أكثر من الإبتسامة دون مقابل ..
هى بنت 29 عاماً ، فى مثل سنى تقريباً ، ، حين تراها أبعد ما يدور ببالك أن تكون هذة المراءةُ عاهرة تتاجر بنهودها الجميلة ، وبخصرها النحيل ، وبجسدها المرسوم كما تقول كُتب وصفِ النساءْ ..

الشيطان أتى على عجلٍ ينظر إلىَّ وفى عينيه إبتسامة واسعة ، وكان ثالثنا ، وبدأ فى التقريب بينى وبينها ، وهو يوضح حقيقة موقفى فى الحياة ، ويعرفنى لأول مرةٍ بنفسى .. أنا الإنسان المُعدم .. الذى لا يملك من حطام الحياة إلا ما يرتدى ، ولا يملك من أسباب الزواج إلا ما يساوى ما يشربهُ العصفورُ من ماء النهرِ ، ويحمل من الرغبة والإحتياج والإشتياق والهياج كما يحمل الجبل على ظهره من صخورٍ وأحمالٍ تنوء بحملها الأزمنة والدهور ..

هل ياترى لو تركت نفسى لأنهل من هذا الجمال اللانهائى ، وتلك المتعة اللامحدودة ، ورويت نفسى وجسدى ولو مرة بكؤوس المتعة العظمى وملأت أنفاسى بعطر الأنوثةِ الطاغى ، الذى يسرى مع أنفاسها كما يسرى النسيم المتدفق من قلب السماء ليغلف الكون الكبير ..
وبقدر حرصى على البقية الباقية بعلاقتى مع الله والتى تقطعت أوصالها وصرت إنساناً محملاً بذنوبٍ تكفى أهلَ الأرض ليكونوا من أهل التعاسةِ ولحرمان .. بقدر ما كان الشيطان يؤدى واجبه معى على أكمل وجه ، حتى صرتُ مفتوناً بها أيما الفتنة ، ومنبهراً بجسدها وشعرها وإبتسامتها كل الإنبهار ، وذائباً فى أنفاسها كما تذوب الأحلام فى جوف الفضاء

.. و"سلمى" كانت تأتينى كل يوم ، لكننى مارست معاها الكلام ، والنظرات ، ومارست التنهدات ، ومارست الشكوى فكانت تحتضن شكواى بصدرها الرحب الذى يتسع لشكاوى أهل الأرض .. مرة واحدة فقط مرت بيديها على شعرى ، فشعرت بروحى تنتزع وتكاد أن تفارقنى ..

.. "سلمى" والشيطان ، يأتيانى كل ليلة ، يأتى الشيطان بباقة من أسوأ ألوان العذاب والحرمان الذى ألاقيه فى حياتى ، وتأتى "سلمى" بباقة من كل ألوان المتعة والحب والجنس والأحضان و الرقص والمداعبة ..

يأتى الشيطان ليذكرنى بماضيّا الفقير ، وبحاضرى الأشد فقراً ، وبأنّات الفقراء أمثالى ن وبآهات الضائعين ، وبحيرة التائهين فى صحراء البؤس والحرمان والإشتياق واللوعة .. وتأتى "سلمى" بنهود السلام والطمأنينة ، وعبقرية الخصر الذى يسلب من الروح آلامها ، ويغتصب الدمعة قبل إعلان سقوطها على الخدود ، فترتشف دموعى ، وتحيل وجنتاى إلى روضة من رياض السعادة بأصابعٍ رقيقة ناعمة ..

وبالأمس .. بعد جلسة طويلة مع الشيطان ، غلبته وغلبنى ، وصارعته وصارعنى ، وكان لقاء ماردٍ جبار بإنسانٍ بأئس فقير .. حيران أشد الحيرة ، أقرب للريشة فى مهب الريح ، وكان لقاءاً عاصفاً .. علا فيه صوت الشيطان ، وكان صوتى خافتاً ضعيفاً مرهقاً ، كان يعايرنى بما أفعله من متابعة نهود الفتيات من النافذة ، وأقدم أنا المبررات الضعيفة والحجج الواهية ، فيصفعنى بجريمةٍ أخرى من جرائمى العديدة ..

وقضيت ليلة أمس فى "التفكير" الذى إنتهى بى إلى "التكفير" .. وقررت الخروج من جحر اليأس والحرمان والفقر والوحدة والعناء والإرهاق والإحتياج ، ودخول جنة "سلمى" والإنتهال من نهر شفتيها الجارى ، وتقديم رقبتى قرباناً بين نهديها .. فأعود إلى الحياة الدنيا سعيداً غنياً ميسوراً رغداً مرتاحاً شبعاناً من صنوف الجنس والمتعة .. 

غداً ستأتى "سلمى" فيكون مجلسها على رجليّا وليس بجانبى ، وسيكون مهبطها شفتايا ، ومستقرها ساعديّا ، ومستودعها يديّا ، وتكون نهودها وسادتى ، وعيونها جنتى ، ونهر شعرها متدفقاً على كتفيّا ..

وأتى الغدّ ..
ولم تأتى "سلمى" .. بل أتى صوتها عبر الهاتف قلقاً ، مضطرباً ، وأخبرتنى أنها قد سافرت اليوم إلى إحدى دول الخليج مع الرجل الذى تكفل بدفع مبلغ كبير من المال ليحمل معه جنتى الصغيرة ، ويتركنى مع الشيطان .. ليذكرنى بفقرى وحزنى وضعفى وخوفى وفقرى ..  

أحمد الصباغ

No comments:

Post a Comment