أسير فى شوارع وسط البلد فى السابعة صباحاً أغازل تلك المبانى التى بُنيت أيام المزاج والفن اداعب بقدمى شوارعها النظيفة وأرصفتيها النزيهة .. التى لولا الإنجليز لأصبحت مثل وجه القاهرة الملئ بالـ (بشل) والعلامات الحفرية والبلوعات ولأصبحت تلك المبانى الرائعة مثل مقالب الزبالة التى نسكن فيها تحت مسمى بيوت .. أسير فى شوارع وسط البلد أتنسم هواء الصباح اللذيذ كطعم الشاى بالنعناع الذى احرص على تعاطيه فى المقهى المشرف على باب اللوق .. أتأمل فى وجوه زملاء الصباح من الوشوش السعيدة المبتسمة.
أراقب تلك السيدة (الخوجاية) التى جلست تطعم كلبها المدلل قطعاً من اللانشون المستورد وتجذبه من رباط ناعم فخم .. وأبنه الجرو الصغيرالسائب يلهو بقطع اللانشون بعد أن قضى منه وطراً .. ويجرى أمتاراً قليلة ثم يعود حيث أبوه وصاحبته .. خواجة أخر يأتى بكلبه وابنه الجرو الصغير .. يتحفز الجرو الأول لمرآى ذلك الجرو الغازى .. يقابله الجرو الغازى بتحفز مماثل .. تنشب معركة حامية الوطيس لا تعدو أكثر من هوهوة متبادلة بين الجروين .. تجذب الخوجاية كلبها الكبير ويجذب الخواجة كلبه العجوز .. فيعود الجروان أدراجهما ويقفان كطفلين مذنبين فى توتر .. تأتى قطة صغيرة تبدو فى عينيها جنسيتها المصرية بوضوح .. تسحب شهيقاً من هواء الصباح الندى .. تتسلل فى خفة وتخطف قطعة من اللانشون المستورد .. يتسشيط الكلب غضباً لقطعة اللانشون المغتصبة .. لكن يكتشف أنه مربوط.
أبتسم وارشف رشفة من ذلك الشاى بالنعناع الأسطورى .. تداعبنى قطرة من قطرات الندى على كتفى .. تنظر لى تلك الفتاة الصباحية المنهمكة فى قراءة جريدة أجنبية .. أرد لها التحية بنظرة مثيلة .. أسترق لمحة من الجريدة التى يحملها ذلك الرجل الصباحى.
أنهى جولتى بزيارة سريعة للمطعم .. اخرج وفى يدى عدة ساندوتشات من الفول والطعمية .. ثم تبلعنى شوارع القاهرة.
أحمد الصباغ
No comments:
Post a Comment