Sunday, March 29, 2009

ساندوتش كـهربة بالسلطة

ما أغرب الشعور الذى أحسسته لأول مرة عندما قيل أن الكهرباء سوف تنقطع عن مصر .. جاءتنى مكالمة تليفونية فجاءة من صديق يحذرنى فيها من إنقطاع التيار الكهربى عن مصر من الساعة الثامنة ولمدة ساعة .. وتدعونى لتجهيز الشموع وأخذ الإحتياطات وإغلاق الأجهزة .. حيث أن "النور هيقطع" .. وبالطبع أصابتنى حالة ذعر .. رغم أن إنقطاع الكهرباء فى الحالات العادية هو خبر سعيد بالنسبة لى .. فرصة لا تعوض للإسترخاء والهدوء والأنتخة وتأجيل كافة الإلتزامات الداخلية والخارجية .. وفرصة لتأمل ضوء الشموع وتشغيل موبايل أو راديو ببطارية على أغنية "كفاية نورك عليا" التى أعشق جمالها فى الضلمة
إلا إن هذه المرة إنتباتنى حالة فزع وأنا أترقب - مع ملايين المصريين - بين اللحظة والأخرى إنقطاع النور وإسدال أستار الظلام على الكون ..  وسيصبح من المحال الخروج إلى شوارع المدينة الغارقة فى ظلام دامس
هرولت بحثاً عن شموع وكبريت .. ثم أغلقت التليفزيون والكمبيوتر .. ثم جهزت كميات ضخمة من الطعام .. ساندوتشات جبنة .. وسجق .. وبطاطس .. مع الباذنجان المقلى والفلفل .. وطبق خضار وأرز .. وطبق سلاطة ضخم .. على كام خيارة .. ثم ضرب موز باللبن فى حنطور عينه .. وزجاجة مياه كبيرة .. وأربعة أرغفة
ثم أعددت كوباً ضخماً من الشاى الكشرى أبو نعناع .. ولابد أن أشحن الموبايل هذه الدقائق المتبقية لإستمع للراديو .. هذه المرة لن أستمع إلى "كفاية نورك عليا" كفاية الغُلب إللى أنا فيه
قمت بإضارة كافــة أنوار المنزل حتى نور "الدبليو سى" .. ونور المطبخ .. وأنوار الصالة .. والبلكونة .. وكافة لمبات منطقة جنوب شرق القاهرة التى تقع فى منزلنا .. وذلك للإستمتاع برؤية النور قبل حلول الظلام الدامس .. وجلست أنظر فى ترقب..
ولأول مرة فى تاريخى أنتظر إنقطاع الكهرباء .. دائماً كان إنقطاعها يفاجئنى فيبدو مبهجاً مع صيحات الأطفال فى الشارع وفى البيوت هيييييييه مع الإنقطاع..  وهييييييه مع عودة التيار الكهربى
الآن كافة الشعب المصرى يتنظر إنقطاع الكهرباء .. هذا كان إعتقادى .. ترى هل سيقولون هييييه هذه المرة ؟ أم أن أصوات البنات ستتعالى بالصراخ لحظة إنطفاء النور ؟
طب ماذا سيحدث فى المنشآت الحيوية ..  المفاعلات الذرية مثلا – على إعتبار إن مصر فيها مفاعلات ذرية – هل سيقطعون الكهرباء عنها ؟
هل من الممكن أن يتوقف نظام التبريد فى المفاعل النووى وينفجر كما حدث فى تشيرنوبل !!
لا .. لابد أنهم سيكفون بإطفاء الأنوار فى المفاعل فقط  مع إستمرار وضع فيشة المفاعل فى الكهرباء
وستأتى الصحف القومية غداً بمانشيتات ضخمة  ... " مصر أولاً .. تعليمات من الرئيس بعدم قطع الكهرباء عن مفاعل كفر الشيخ النووى حرصاً على مصلحة مصر" ....  مع صورة ضخمة للرئيس وهو يجلس بجوار شمعة .
ثم تأتى جريدة الدستور بدورها فتكتب " إبن الرئيس يطفئ النور عن مصر"
وتقول جريدة النبأ " أسرار جنسية وراء إطفاء النور فى مصر"
وتقول مجلة روزاليوسف "الإخوان والمسيحيين..أهم أسباب ظاهرة أنقطاع الكهرباء"
وتقول جريدة وشوشة "لماذا تحب هيفاء وهبى الرقص فى الضلمة ؟؟"
وتقول جريدة المصرى اليوم "قطع الكهرباء عن مصر إستجابة لحملة المصرى اليوم للإسترخاء فى الضلمة"
وتقول جريدة البديل "إنقطاع كهرباء مصر وعشرات الضحايا"
وتقول جريدة اليوم السابع "نحن ننفرد بنشر قصة الفتاه التى أحبّت أربعة فى ساعة من الظلام"
وتقول جريدة المال والعقار "مليار دولار مكسب العالم فى ساعة ظلام"
فُـقت من أفكارى فجاءة .. فوجدت الساعة الثامنة والنصف .. ولازلت الشقة مضاءة كوقت الظهيرة .. فإندهشت لعدم إنقطاع النور فى الثامنة .. واتصلت بصديق فأخبرنى أن إنقطاع النور إشاعة .. وأنها دعوة عالمية لترشيد الكهرباء وإطفاء الانوار خلال هذه الساعة .. وعليك أن تطفئ النور بإراداتك !
إبتسمت وأنا أنظر إلى أنوار المنزل المضاءة جميعاً
وضربت ساندوتش جبنة
وأغلقت الأنوار
وإستسلمت لنوم عميق

أحمد الصباغ

No comments:

Post a Comment