أكتب إليك عزيزى الرُمـّان الذى يتحمل سخافات الناس ونظراتهم الشبقة، وأيديهم الطويلة التى لا تجد غضاضة فى تقاذفك، وتطاولهم عليك، وقسوتهم التى لا يخجلون من إظهارها تجاهك فى كل مناسبة، لدرجة تجعلهم لا يجدون مناصاً أن يأمروك بالـ (دحرجة) رغم أن تكوينك الفسيولجى لا يسمح لك بالدحرجة الآمنة، والإستقرار المريح بعد ما بذلته من دحرجة بأمر مِن مَن لا يعرفون قيمة الدحرجة، بل تظهر ساديتهم وحبهم للعنف والأذى عندما يتبعون الأمر بالدحرجة بأمراً أخر لا يقل صعوبة عنها قائلين (إتدحرج وإجرى) وهم لا يعلمون – أو قد يعلمون ذلك ويتجاهلونه – أن الجرى بعد الدحرجة يسبب ألما شديداً سواء للإنسان أو للرمان على السواء.
أكتب إليك عزيزى الرُمّان وأنا مثلك قد أمرونى فتدحرجت، وقد سبق الدحرجة فاصل من الجرى، وأعقبها فاصل آخر من الدحرجة، فصارت حياتى محطات متتالية – جرى – دحرجة – جرى – دحرجة – جرى – دحرجة.
أكتب أليك عزيزى الرمان وأنا أراك تكافح وتعرق بشرف، وتحتسب عند الله ما قمت به من دحرجة وجرى وتؤمن بأن الحياة كفاح، وأن الحرية لا تأتى إلا بقدر التعب والدحرجة، وترى فى الجرى والدحرجة شرفاً مثل الشرف الذى يناله السجين والمعتقل، ولا تجد غضاضة فى أن تقطع الحياة جرياً ودحرجة فى سبيل بصيص من الحرية والتخلص من أيدى أولئك القساة الغزاة المجرمين.
أكتب أليك عزيزى الرُمان وأنا لا أصدق أن هؤلاء البشر الذين أمروك بالجرى والدحرجة، واستمتعوا كل الإستمتاع وهم يشاهدونك متدحرجاً وسط صيحاتهم و رقصهم وفرحهم؛ قد كشفوا عن نواياهم الدنيئة، وضمائرهم القذرة، وبصائرهم المعدومة، وبان زيفهم ومقاصدهم الخبيثة عندما أمروك بذلك الفعل المريب قائلين فى صوتٍ واحد: (وتعالى على حجرى يا رُمـّان)..!
إلى هذه الدرجة قد ينساق الرُمّان – أو الإنسان – فى ذلك الوطن وراء الأوامر التى لا تنتهى، فيكتشف أنه بعد الأمر بالدحرجة والجرى، مُطالب بأن يرتمى فى حجر أحدهم، يفعل به ما يشاء ويتباهى وسط أقرانه فرحاً وهو يرقص قائلاً : أنا حجرى حنين يا رُمّان.
عزيزى الرُمان لا تحزن؛ فنحن بنو البشر قد أغوونا مثلك فقالوا لنا ونحن أطفالاً: (تعالى أوريك الحلمبوحة تحت بير السِلّم) وقالوا (تعالى أما اوريك القطر) وقالوا (تعالى أما أفرجك على أدهم) ثم لما كبرنا، وأصبحنا مواطنين ناضجين لا نذهب إلى ما هو تحت بير السلم، كبرت لغة الخطاب وصاروا يقولون لنا أشياء لا تختلف كثيراً عن أدهم وعن القطر وعن بير السلم ولا تختلف عن (تعالى على حجرى يا رُمان) فبدأوا يأمروننا بما أسموه (وقفة) مصرية، رغم أنهم دائماً جالسون على الكرسى لا يعانون من هذه الوقفة التى نعانيها، وسامحنى إن كنت أشكو لك وقوف الحال، وأنا أعلم أنك تعانى من هذا الوقوف مثلما نعانى نحن تماماً.
أحمد الصباغ
No comments:
Post a Comment