أنت مثلى حلمت طوال سنوات أن تشارك مئات من الصائمين الجائعين متعة الأكل فى مائدة الرحمن التى طالما رأيتها على ناصية شارعكم أو فى المسجد القريب من بيتكم .. أن مثلى كثيراً ما حاولت أن تتخيل طعم الاكل الذى صنعوه طباخون متطوعون .. أنت مثلى حلمت وفكرت لكنك لا تجرؤ على الجلوس وسط الفقراء اعتقاداً منك – ومنى – ان منظرك هيكون حرج وإن رآك قريبك ستكون فضيحتك بجلاجل بل تخشى أن ينظر لك منظم مائدة الرحمن ويستنكر مظهرك الذى لا يبدو عليه الفقر ووجودك وسط الناس المفترض أنهم فقراء..
لكنك لست مثلى وحظك ليس مثل حظى الذى ساعدنى على أن نال من موائد الرحمن نصيباً كبيراً .. وحدث هذا تحديداً مرتين خلال عام واحد وهو العام قبل الماضى.
المائدة الأولى .. كنت معزوماً عند أقاربى فى السيدة زينب وهاجمنى أذان المغرب وبينما أنا أحاول الركوب من ميدان السيدة عائشة لإستكمال المشوار لكن لإن سائقى مصر صائمين بالطبع فلم أجد وسيلة مواصلات فقررت التسكع مشياً واستكمال الطريق على قدمياً وبينما أنا فى شارع القلعة الكبير الخالى من المارة وقت الإفطار هاجمنى إثنان ظننتهم فى البداية قطاع طرق لكن ما لبثت أن علمت أنهم أصحاب مائدة رحمن مهجورة يبحثون لها عن زبائن .. ابديت الكسوف والخجل وشكرتهم وقولت اننى معزوم عند أقاربى فى شارع الصليبة لكن يبدو أن الكرم دفعهم لحملى ووجدت نفسى أمام صينية بطاطس تحوى ثلاث قطع ضخمة من اللحم الممتاز بالاضافة لطبق ضخم من الأرز والفتة والسلطات وغيره وفعلت فى الطعام ما يفعله اللص فى مال اليتيم وذهبت إلى أقاربى ببطن شبه البطيخة الكبيرة.
المائدة الثانية.. كانت حينما دخل بنا الميكروباص طريقاً غير الطريق المعروف له وهاج الركاب وماجوا وصرخوا ان المغرب فاضل عليها دقيقتين وهنا فاجأنا السائق مثلما فاجئ فريد شوقى زكى رستم فى رصيف نمرة خمسة أن دخل بالميكروباص الى داخل مائدة رحمن ضخمة بها مئات وربما ألوف من البشر .. ليس الغريب أن الأرز كان محروقاً والطعام شايط وليس الغريب ان السلطة كانت حمضانة وليس الغريب أن اللحمة كانت تشبه الكاوتش لكن الغريب أن المفطرين بهذه المائدة كانوا يتنازعون ويتصارعون ويتقاتلون على الطعام.
وإلى لقاء فى موائد أخرى بإذن الله.
أحمد الصباغ
a
No comments:
Post a Comment