Friday, April 10, 2009

لقاء الأمنيـات الضائعة


لا أذكر تحديداً الوقت أو المكان الذى هبطتْ فيه على سطح كوكبى، وبرز وجهُها النورانى إلى عالمى .. فقط كل ما أحسسته أن سيـلاً من النور يُشرق على السماء الدنيا كلما نظرتُ فى وجهها .. وأن شلال الموسيقى المتدفق فى صوتها يغمرنى كلما تحركتْ شفتاها الكريزتين لتهمس بكلمات هى أشبه بحديث الزهور مع النسيم كل مساء

ذلك الوجه الأنثوى الطفولى الذى يحمل من البراءة ما يشعرك بجرائمك التى ملئت الأرض .. لا أعلم لحظة أول لقائى بهذا الوجه .. هكذا هى الأشياء الأسطورية : تُوجدِنا فى حياتها ، ولا نُوجدِها فى حياتنا .. تأخذنا كما الأطفال فلا ندرى إلا ونحن فى خضمها وبين شطآنها

ربما كانت صديقتى فى الكلية .. أو زميلتى فى عملٍ سابق .. أو جارتنا فى شارعنا الصغير .. أو "فريند" فى الفيس بوك .. أو زائرة للمدونة .. أو رفيقة أحدى الندوات .. لست أذكر تحديداً سوى أننى أجلس الآن أمامها كراهبٍ فى هيكل الصلوات يتأمل فى رهبة وخشوع تلك الآيات النورانية التى تطل من عينيها وهى تملآنى بنظراتها عشقاُ لها وحناناً ودفئاً ..

إحترت فى لون عينيها .. إنه ليس الأسود المعتاد بين البشر .. لكنه ليس أخضر أو أزرق أو عسلى .. حسناً .. لنكتفى بأن عينيها ملونتين، لكننى أرى فيهما صورتى واضحة ..
ياااااه .. أنها أجمل صورة رأيتها لى فى حياتى .. وأجمل من كل المرايا واللقطات الفوتوغرافية
إنها المرة الأولى التى أرى فيها وجهى سعيداً ومرتاحاً يبتسم إبتسامة تنبت فى الأعماق وتزهر على شفتاى
إنها المرة الأولى التى أوجد فى مكان عالٍ لا أستحقه .. تُرى هل تعلم هى أننى الآن أنظر إلى صورتى فى عينيها ؟

ياللغبائى ..
هل سأدع اللحظات القليلة تمر .. ربما لا تسمح الظروف بلقائها مرة أخرى أو ربما تتبدل الأرض غير الأرض .. وهذا النوع من البشر يشعرك أنه بداية دنيا ونهاية مرحلة ولحظة فارقة وعمر جديد وتبديل مفاجئ وخط فاصل وتغيير حاد وتحويل مسار وكل ما تتصورة من الإضطرابات الكونية اللامحدودة التى تحدث فى عمرنا والتى ربما لا تعدو أكثرمن لمحات فى خيالنا المريض أحياناً
ترتدى لبساً أنيقاً جداً .. لا أستطيع وصفه .. ليس لإننى أدعّى الأدب.. لكننى لا أفقه مسميات ملابس النساء

ملابس أنثوية .. محتمشة لكن شقية تداعب رجولتك برفق .. وتذكرك دائماً أن إختلاسك للنظر إليها يجب أن يكون "من تحت لتحت" ، وأن نظرة لامبالاة يجب أن تطل من عينيك حتى تخفى ذلك اللهيب المتضرم فى دواخلك ، وتلك النيران المشتعلة فى كينونتك
برز ضميرى فجاءة من العدم ووبخنى وصفعنى عدة صفعات متتالية على وجهى .. وأحسست بخسة وندالة تأتينى فى جواب مسجل بعلم الوصول من طرف ثيابها

كنت أود أن أقول لها أننى أسعد الخلق الآن وأنا أراها أمامى مشرقة كنجمة أضاءت ليل مظلم فصار الكون قصراً مضوياً .. وكم كنت أتمنى أن أظل فى جلستها طيلة العمر .. وأن أقصى أمنيات عمرى الراحل والآتى أن تلامس يدى وجنتيها وتحتضن كفيها فى حنانٍ دافئ وأن أرى رموش عينيها حين تغمضهما فى رقة لتستمع معى بكهرباء الهيام التى تسرى عبر يدى إلى جسدها الملائكى الرقيق
كم كنت أتمنى أن أخبرها بأننى شاب ذو عمرٍ ضائع .. وآمال محطمة ونفسٍ منكسرة وأحلامٍ موؤدة وأننى وحيدُ بين الزحام .. وغريبُ بين مدائنى .. ويتيمٌ فى أهلى .. وأننى أشد البشر إحتياجا لحضنها وضمة ذراعيها
وأن كم الجمال والرقة والحنان والدلال الذى ينبعث من بين رموشها إلى سماواتى كفيل بأن يحيلنى من إنسانٍ تعس إلى طفل تضيق الأكوان عن إستعياب سعادته..

يالله ..
ضاع الكثير من الوقت
تُرى هل لو أخبرتها الآن بكل ما يدور فى ذهنى .. هل ستثور غاضبةُ وتقوم فى عنف وتودعّنى لآخر مرة .. أم أن خجلاً سيجتاح عينيها ويأتى بنفس نتيجة الفراق الأبدى
أشعر من داخلى أن هذا اللقاء لن يتكرر إلا إذا حدث الآن أحد الأحداث الهامة فى تاريخى ..

وإنتهى اللقاء
إعتذرتْ وقامت وعبّرت عن سعادتها برؤيتى بكلمات قليلة خجولة مضطربة .. وانها مضطرة للعودة إلى المنزل.. بعد أن هبطت أستار المساء على الكون
وذهبت ككل الأطياف الحالمة التى لا ندركها إلا بعد أن تذهب ..
أحمد الصباغ

No comments:

Post a Comment