قصة قصيرة
تعرّف عليها منذ خمسة أعوام..
كان يتصل بها ليجد هاتفها مغلقاً ليعلم بعد ذلك أنها تصلى فى المسجد، وتارة أخرى يجدها منهمكة فى عز الشغل، ثم يأتى رمضان لتصطف مع العاكفين والقائمين .. عمل وعبادة وقرآن وشغل البيت ..
قمحاوية .. متوسطة الجمال والطول .. أقرب للنحافة .. نقية القلب .. طاهرة الطرف .. رقيقة اللسان .. بيضاء القلب .. لا تعبّر ملامح وجهها الطفولية عن سنوات عمرها التى وصلت اليوم إلى الثانية والثلاثين ..
إثنان وثلاثون عاماً قضتها فى الحياة عــــذراء ..
بلا رجل، ولا حب، ولا دبلة خطوبة، ولا لمسة إيد، ولا قبلة ساخنة، ولا حضنٍ يُسمعها طقطقةَ ضلوعها، ولا فُستان فرح، ولا زوج يستعرض ما تعلَّمته من فنون المطبخ، ولا كف نونو تحتضنها فى جوف البكاء ..
أنتهت دراستها منذ أربعة عشر عاماً ..
مارست كل أنواع الإنتظار .. كورسات كمبيوتر .. كورسات لغة .. تدريب .. مشغولات يدوية .. تريكو .. كوروشيه .. ورشة تفصيل .. و و و
ذهبت أمها عدة مرات إلى الشيخ "ياسين" لكشف "الأطر" وعمل حجاب .. ثم إلى الشيخ "عدلى" لعمل رقية شرعية .. ثم بدأت تمارس دورها فى الترويج لإبنتها بين شباب العائلة.. وإصطحابها فى أفراح العائلة وتقديمها لكافة أُسر الأقرباء .. ثم سرعان ما تملكها الإحباط .. فتوارت فى صبر وصمت .. وتركتها تواجهة السنوات العجاف والليالى السرمدية ..
لمّا طال الإنتظار .. ولم بدا الفرَج متأخراً .. إتجهت إلى العمل .. سنوات قضتها تليفونست وسكرتيرة .. ومندوبة دعاية .. وفى الحسابات .. والتسويق .. ومدرسة فى حضانة أطفال .. وبائعة فى محل و و و
حاولَ لمس يدها مرات .. لكن محاولته كانت تواجَه بعنف وغضب كفيلان بإقناعه بعدم تكرار المحاولة .. حاول مغازلتها .. لكنها كانت تستغفر الله .. حاول مداعبتها .. لكنها كانت تتحول فى تلك اللحظات من أنثى رقيقة إلى رجلٍ حازم ..
وهكذا ..
إثنان وثلاثون عاماً .. قضتها فى صمتٍ طاهر .. وصبرٍ مُتعَب .. وجسدٍ مُنتَظَِر
إثنان وثلاثون عاماً ولم يأتى الجنس الحلال.. ولا الحضن الحلال.. ولا القُبلة الحلال .. ولا الرجل الحلال .. ولا الطفل الحلال ..
واليوم إتصل بها لهنئها بعيد ميلادها .. فكان صوتها يحمل من الحزن والتعب أكثر مما يحمله من الفرحة .. إن اليوم يسدل ستاراً على عامٍ أخر من سنوات عمرها .. مما يعنى عمرُ أكبر .. وفرصة أقل فى الحب والزواج .. وعمرُ ضائع .. ويأسُ كبير ..
كان يشعُر الموقف جيداً .. كان يدرك عذابها .. كان يفهم معنى إستسلامها له ليمسك يدها .. وكان يدرك جيداً معنى تركها له ليضمها فى أحد الشوارع المظلمة فى ليلة شتوية باردة
إن هذا الثوب الطاهر .. هذا الجسد العفيف .. هذه الفتاة الخاجلة .. تمارس العجز فى صمت .. وتواجه عذاب النفس والجسد فى صبر .. وتشاهد أحلك الليالى فى إنتظارٍ يائس
فكّر فى الزواج منها .. لكنّ ستة سنوات كاملة تكبرهُ بهم .. وحالتة المادية السوداوية البائسة .. وإنتظار أكثر من عشر فتيات الناضجات الجميلات من بنات العائلة للقيام بدور العروسة .. كان يجعل الزواج منها صعباً .. بل مستحيلاً
واليوم .. وجدها بين يديه
نعم .. إرتمت بين يديه فجاءة .. وتركته يمسك يديها بل ويقبلها
ولولا المارة لكان مصيرها فى حضنه
كان مندهشاً فى البداية ..
لكنه تفهّم ما يدور فى عروقها ..
وما يجرى الآن بين ضلوعها ..
إستشعر النيران المستعرة فى جسدها الفائر ..
فجاءة .. طلبت منه الذهاب معه لمنزله .. لإستكمال الحضن
لكن بعدما تأكد من خلو المنزل من أسرته ..
وعندما إستقرا فوق السرير .. كانت للشهوةِ رأياً أخر
وطلبت وهى تبكى .. أمراً أخر غير الحضن
وبكى ..
وضمها بشدّة ..
وفاض عليها حناناً جارفاً
وذاقت الحضن الأول .. والأخير
وسمعت طقطقة ضلوعها
لكنهُ لم يفعـــل شيئاً أخر ..
ورَحــلا ..
أحمد الصباغ
*الصورة من شخابيطى
No comments:
Post a Comment