Wednesday, April 22, 2009

كـــنّا وأصبحــنا


كنا أصدقاءً تجمعنا الصحبة الحلوة والعشرة الطيبة ونلتف حول مائدةٍ واحدة وتلمُّنا النزهة الجميلة ، تظلنا سماء المحبة الدافئة، نتراقص تحت الأمطار، ونتمايل مع زهور الربيع، نمارس العبث على المقهى، ونمارس الجدية بين الكتب فى المكتبة، كنا أصدقاءً يخشى الواحد منا على الأخر من رمشة العين ويذكره بالخير فى مغيبه، ويرد غيبته..

وأصبحنا أعداءاً نتصيّد لبعض الأخطاء والسقطات، وصار كلُ منّا يلعن الأخر على السبحة، ونتفنن فى صنع الخوازيق والمهاميز، ونمارس البغضاء فى المناسبات، والضغينة فى كل اللحظات، وصار عدونا المشترك صديق لكلٍ مننا، وصارت أقصى أمانينا الشماتة والتشفى..

كنا أطفالاً نركل الحجارة فى الطريق كما نركل الحياة كلها، فلا نلقى بالاً لكبيرة أو صغيرة، الرسم بالقلم الرصاص وسيلتنا للتعبير عن حقنا فى الحياة، والشخبطة على الحيطان، هى يساريتنا، والأحضان البريئة هى ليبراليتنا، والحكايا خلف الجماعة هى إسلاميتنا، وألقاء القطط بالطوب هى ثورتنا..

أصبحنا كباراً يأكل الزمان على أعصابنا ويشرب، تهزُنا المصائب والصغائر، لا يكفى سوى الـ إنتحار للتعبير عن حقنا المغتصب فى الحياة، نجرى وراء لقمة العيش من أول قطرات الصباح حتى أخر زفرات المساء حتى تنقطع أنفاسنا ولا تنقطع أنفاسها..

كنا نقدّس الفن الجميل، والكلمة النبيلة، والصورة الراقية، والشخصية الطيبة، والفيلم الهادف، والكتاب القيم، والصحيفة الصادقة، والصحبة الحلوة، والبنت المؤدبة..

أصبحنا مسوخاً فى ثياب البشر.. لا يرضينا سوى الفن الداعر، والكلمة الخادعة، والصورة العارية، والشخصية المتسلقة، والفيلم "المناظر" ، والكتاب العاهر، والصحيفة الصفراء، والصحبة الحمراء، والبنت اللعوب..

فى أخر شــارع الحــياه توجــد لافـــتة كُــتب علــــيها : " جُعــلت الحـــياةُ جمـــيلةً لمن يستحقــُها، صـــافيةُ لمن يحـــبُها، زاخــــرةُ لمن يقدرها حق قــــدرها"
أحمد الصباغ

No comments:

Post a Comment