Tuesday, January 12, 2010

أصابع الحب المقطوعة



على ضوء الشموع فى حجرة صغيرة.. فى مكان ما.. على كوكب الأرض.. فى ليلة شتوية ممطرة.. دار هذا الحوار يوماً.. أنقله كما هو.

هى : ما تقفل الباب وتعالى نقعد جوة نتكلم.
هو (بحرج) : لا احنا دقايق وهننزل.. عشان نلحق أعدى على مصطفى أديله الحاجات قبل الوقت ما يتأخر.

نظرت فى عينيه واقتربت منه حتى شعرت بأنفاسه
هى : أصل انت واحشنى أكتر مما تتخيل.

رأى فى عينيها حناناً وجمالاً لم يشهده من قبل
هو : والله مشتاق لك اشتياق.. مش عارف اعيش لحظة بعيد عنك.
هى : أنا بعبدك.
هو (مداعباً) : مش عايزك تعبدينى.. حبينى بس زى ما بحبك.. اعبدى ربنا.
هى : قلبى مش بإيدى عشان اقوله حب ده، واعبد ده.

داعب أنفها بطرف اصبعه
هو : حبيبتى.. كل مرة هنتكلم فى الموضوع ده ونتخانق.. ما ينفعش تقولى الكلام ده.. ربنا خلقنا احنا الاتنين.. ما ينفعش تسيبى اللى خلقك وتعبدى زميلك المخلوق.
هى : بس ربنا انا ما شوفتوش.. انما انت مابشوفش غيرك.
هو (مداعباً) : ما هو من الحاجات اللوذعية اللى بتشربيها..

لم تعجبها مداعبته وعقدت حاجبيها فزاد جمالها.
هى : ضهرى بيوجعنى أوى.. جسمى نحّس من أم الأدوية والدكاترة.
هو : معلش يا حبيبتى.. ربنا يتم شفاكى.. لازم تبطلى الحاجات اللى بتشربيها بجد.
هى (بحدة): وايه علاقة الحاجات اللى بشربها بضهرى.. بعدين طول عمرى بشرب الحاجات دى.. ايه حكاية ضهرى بقى.
هو : أقصد عموما تبطلى الحاجات دى.. وتقربى من ربنا.. وربنا يكرمك فى موضوع ضهرك واى حاجة تانية مضيقاكى.

ضحكت باستخفاف
هى : واقرب من ربنا ازاى بقى يا مولانا؟

نظر لها بحب
هو : تروحى الكنيسة.. تقرى فى الكتاب المقدس.
هى : انا عمرى ما روحت كنيسة.
هو : تروحى.. وهتلاقى ألف من ياخد بإيدك وهتحبى الكنيسة وتتعودى عليها.
نظرت بدلال وعبث
هى : أنا عايزة ابقى معاك انت.. خدنى معاك الجامع.
هو : ما ينفعش يا عمرى..
هى : إيه المعاملة الوحشة دى.. ما هى وفاء بتروح معاك الجامع.
هو : اختى وفاء يا حبيبتى مسلمة.. المسلمين بيروحوا الجامع.. والمسيحيين بيروحوا الكنيسة.
هى : أكتر حاجة بكرهها التفرقة دى.. ما تسيبوا اللى عايز يعمل حاجة يعملها.. تفرق ايه جامع عن كنيسة.. ما هى كلها تذنيبة ووقفة.
هو (برفق) : مش تذنيبة وواقفة يا حبيبتى.. المؤمن اللى عارف انه واقف قدام ربنا.. يعرف ان التذنبية والوقفة اللى بتقولى عليها دى هى أعظم ما فى حياة الإنسان.. وأجمل لحظات هى لحظات الوقفة قصاد الله.

صمتت للحظات
هى (بعبث): طب خدنى معاك الجامع.. نفسى اشوفك وانت مركز فى الصلاة واحسس على شعرك.
هو : ما ينفعش يا قلبى..
هى : طب خدنى وتعالى نروح الكنيسة سوا.
هو : ما ينفعش بردو يا قلبى..
هى (بغضب) : ايه التعصب ده.
هو : مش تعصب يا حبيبتى والله.. ينفع واحد راجل مثلاً يروح يجيب هدومة من محل حريمى؟ .. أو واحدة ست تروح تجيب هدومها من محل رجالى؟.. لكل حاجة حاجة.. المسلمين بيروحوا الجامع.. والمسيحيين بيروحوا الكنيسة.. المهم ان اللى يعمل حاجة يعملها بإخلاص وإيمان.
هى : انا مش عايزة ابعد عنك لحظة.
هو : هانت والله.. هنتجوز يا حبيبتى ونفضل مع بعض على طول.
هى : نفسى أوى.. خلاص بجد مش قادرة افارقك لحظة.

يتنهد باشتياق
هو : والله ولا أنا.. أنا خلاص ما بقتش قادر اشتغل من كتر التفكير فيكى.
هى : طب وبعدين.. هيفضل الدين فاصل بيننا كدة كتير؟
هو : الدين مش فاصل ولا حاجة.. دى حاجة و دى حاجة تانية..

غمزت بدلال وضحكت
هى : هترضى تتجوز واحدة كافرة؟

عقد حاجبية وصمت
هو : .........
هى : مش انتوا يا بتوع الأديان بتقولوا ان التانى كافر ومش هيورد على جنة.
هو : ما يصحش حد يقول على حد كافر.. وما ينفعش نقعد نقسّم الجنة على نفسنا.. وكأننا أمتلكناها فى جيبنا.. والمؤمن الحقيقى سواء مسلم او مسيحى او حتى يهودى مش بيتكلم فى الحاجات دى.. وبيعامل الناس كلهم باخلاص وحب.. عشان ربنا امره بكده.
احتضنت ذراعه بدلال وعبث
هى : يعنى انا هدخل الجنة ولا النار؟

نظر لها فى حنان جارف ولهفة
هو : ان شاء الله ندخل احنا الاتنين الجنة مع بعض.
هى : مش مهم ندخل فين.. المهم ابقى معاك فى اى مكان.
هو : ......
هى : انت شايف اننا ينفع نرتبط ونتجوز؟
هو : ايوة والله.. ينفع.. المسألة مسألة وقت.. وادينى بحوش والله.. وامى عاملة لى جمعية هتساعد بردو..
هى (بحدة) : انت حاسس ان الموضوع موضوع وقت وامكانيات.. بلاش نضحك على نفسنا.. لا انت هتقدر تقول لأهلك انا هتجوز واحدة مسيحية.. ولا انا هقدر اقول لأهلى هتجوز واحد مسلم .

ظهر الضيق والألم على وجهه وصمَتَ لفترة
هو : اللى النصيب عايزه هيكون.. ومحدش هيمنع قلبين بيحبوا بعض.
هى : أيوة بس موضوع الأديان ده موضوع مزعج.. والناس كلها عايشة فى الدور وعاملة مؤمنة وواجعين قلبهم.
هو : هتشوفى انه مش وجع قلب وان مفيش حاجة هتقف قصاد موضوع جوازنا ده.. وصدقينى لو رحتى الكنيسة مرة هتستريحى ونفسيتك هتهدى وهتدعيلى.
هى (بدلال) : موافقة بس بشرط.. تودينى انت بنفسك.
هو (بحماس) : موافق.
هى : وتستنانى لغاية ما اخلص كنيسة.
هو : موافق.
هى : وتجيبنى وتوصلنى كمان.
هو : موافق.. هوديكى واستناكى على القهوة لغاية ما تخلصى ترنى عليا واخدك اروحك.. قشطة؟
هى (مداعبةً) : والله لو قولت لك نروح سينما ما هتتحمس كدة.
هو (مداعباً) : ليه انا مش موديكى سيما من ام عشرين جنيه السنة اللى فاتت.
هى (بحنان) : فيك الخير يا حبيبى.. أنا راضية بقليلى.
هو : قليلك؟ مع انى شايفك كتيرة أوى عليا.. وحاسس إنى اكتر انسان فى الدنيا محظوظ بحبك ليا.
هى (مستدركة) : يا حبيبى والله بهزر معاك.. سينما ايه بس..

يوم الأحد العصر ينتظرها فى مقهى على الشارع الرئيسى.. يرن الموبايل فيترك الشاى والشيشة.. ويحاسب على المشاريب وينطلق.

هو (ضاحكاً) : حرماً.
هى ( لم تفهم) : نعم؟
هو : هما بيقولوا ايه بعد ما بيخلصوا كنيسة.. اممم.. مش عارف.. عندنا بيقولوا حرماً.. وأيام الفراعنة سمعت انهم كانوا بيقولوا هرماً.. (يضحك)

لم ترق داعبته لها فغيّر الموضوع
هو : هاااا.. ايه الاخبار.. احكيلى.. مبسوطة ولا ايه ؟؟

نظرت فى امتنان وسعادة
هى : كان يوم حلو يا حبيبى.
هو : طب قشطة.. عشان تعدى جمايلى عليكى.
هى ( فى دلال) : يا بايخ.
هو : طب ياللا بقى نشد عشان عندى تلتلاف مشوار انهاردة.
هى : اوك يا حبيبى كلمنى بعد ما تخلص اول ما توصل البيت.
هو : اوك يا عمرى.

ينطلقا..

العام التالى ليلة رأس السنة الميلادية داخل كنتاكى التحرير..
هو : كل سنة وانتى اجمل واطيب واحلى الناس.
هى : كل سنة وانت طيب يا حبيبى وعام سعيد على عيونك وتحقق كل اللى تتمناه يا قلبى.
هو ( بسعادة غامرة) : عارفة؟ امبارح قعدت احكى مع أمى عليكى.. اه والله.. سألتنى هى دى البنت المسيحية.. وقولت لها ايوة وقالت لى سلم لى عليها.. وقعدت احكى لها عنك وعادى ما قالتش اى حاجة..
هى (بخجل بالغ وسعادة غامرة) : بجد؟ انت عارف اول امبارح قعدت مع بابا نتكلم.. أول مرة اقعد مع بابا ونتكلم من بتاع عشر سنين.. حتى كان مستغرب اوى.. ولقيته بيحكى لى على واحد جارنا مسلم.. (تضحك) ربيع اللى حكيت لك عنه وانت كنت بتغير منه.. وقعدت انكشه واقوله وانت ازاى تعرف واحد مسلم وتصاحبه.. انت ترضى ان بنتك تعرف واحد مسلم؟.. قام قال لى مين قالك انى اعرف واحد مسلم؟
هو : ..... ؟
هى (فى سعادة غامرة) : قال لى ده انا اعرف ديشليون واحد مسلم.. وكلهم صحابه.. اه والله

انتقلت عدوى السعادة اليه.. ووجهه يلهج بالابتسامة
هو : كدة قشطة.. بصى بقى انا هخربها بلاد.. يومين كدة وهخش على امى اقولها انتى فاكرة البت المسيحية اللى حكيت لك عنها.. تقول لى اه.. اقولها انا بحبها وعايز اتجوزها.. وامى طيبة.. ممكن اكل عقلها بكلمتين.. واخش على الراجل ابوكى ده.. واللى يحصل يحصل.. بس هاخده على القهوة الاول واظبطه.. ونشرب شاى وحجرين ونتصاحب.. وربنا يقدم اللى فيه الخير..
هى : حجرين؟ انت لسة بتشيش.. قشطة على الندالة.. بقى انا أبطل الكيف.. عشان انت تقعد تشييش لى.
هو (بخجل) : والله اول ما نتجوز هبطل شيشة.
هى : ماشى يا عمرى.. اسيبك بقى.. ما تتأخرش عليا.. انا كلها ساعتين واخلص كنيسة.. ألقيك مرزوع هنا.. مش هستنى.
هو (مداعباً) : ماشى يا عم الملهوف.

ليلة السابع من يناير..
سيارة ملاكى تتوقف امام كنيسة ويخرج منها شخص يفتح النار على مجموعة من المحتفلين بالعيد ويقتل بعضهم..

ليلة العاشر من يناير..
نفس أضواء الشموع فى نفس الحجرة الصغيرة فى نفس المكان من كوكب الأرض..

هى (باكية) : أنت عارف ممدوح ده.. كان وحيد عمى.. وجابه بعد عشر سنين جواز.. وكنا بنحبه اوى.. كان عسول اوى والله.. انا مش متخيلة انى مش هشوفه تانى.
تنفجر فى نوبة بكاء حارة..

يحتضن وجهها
هو : بس يا حبيبتى.. شدى حيلك.. ربنا يرحمه (يزفر فى حرارة) ربنا يرحمه ويرحمنا.. وينتقم من الظلمة.. وباباكى عامل ايه؟
هى (منهارة من البكاء) : بابا هيموت من الحزن.. وقافل على نفسه.. ومش طايق حد يكلمه.. حتى لما عم ربيع جه يعزيه ما رضيش يقابله.
هو (بقلق) : اوعى يكون فاكر ان اللى عمل ده مسلمين؟ والله ابداً فهميه ما يربطش بين الحادثة دى وبين المسلمين.. طب ما انا هو.. طب والله لو مسكت اللى عملوا كدة.. لقطع لحمهم بسنانى نسايل.
هى (تواصل البكاء الحار) : ......
هو : طب بقولك ايه.. نأجل الموضوع بتاعنا شوية.. لغاية ما الامور ما تهدى.
هى (تنفجر مجدداً فى البكاء) : مش هينفع خالص.. انت عايز العيلة كلها تبقى محروقة من العياط على ممدوح.. وانا اتكلم فى جواز دلوقت.. لأ واتجوز مسلم.. عشان احرقهم زيادة.
هو (يبدأ فى البكاء) : انا مقدر الظروف والله.. انا لو فى مكانهم كنت هبقى محروق عليه كدة واكتر.. بس انا مش هقدر ابعد عنك.. وبعدين؟
هى (وسط البكاء) : محدش بيقرر نصيبه بنفسه.. انت قولتها.. النصيب هو اللى بيحكم.. سيب النصيب يقول كلمته.. واتأكد انى بحبك طول الوقت.. ربنا يحفظك.

قبّلت يديه قبلة سريعة.. وغادرت المكان كنسمة ليل حزينة.


أحمد الصباغ

No comments:

Post a Comment