Friday, January 22, 2010

أول مقال للساخر عمر طاهر بعد الجواز

العودة إلي الكتابة بعد انقطاع تذكرني بمحاولات الأطفال الأولي للكلام، أجلس أمام اللاب التوب وفمي مفتوحًا تكاد الريالة أن تتساقط منه علي الكيبورد، أحاول أن أكتب جملة مفيدة وأعيد قراءة ما كتبته (ماما..بابا..إإح..دا دا..بوف)، هل الزواج هو السبب؟ الزنقة التي أنا فيها الآن أثناء محاولة كتابة أول مقال بعد شهر من الزواج ذكرتني بكلام المهنئين والذي كان أشبه بعلب حلاوة المولد المفخخة، يبتسم المهنئ في وجهك ويحتضنك بحرارة ويبدي لك فرحته وسعادته لكن لابد في خضم هذه المشاعر المتأججة من جملة تنفجر في وجهك (أخيرًا هتخش القفص... عملت ليه في نفسك كده؟!.. مش كنت تسألني يا ابني؟.. أهلاً بيك في الحزب.. ده آخر قرار إنت هتاخده في حياتك... ما كنت بعقلك... بالشفا)، كدت أنصرف في منتصف الفرح عائدًا إلي شقة العزوبية لولا أنني شعرت بأن حماتي قرأت في عينيي هذه الفكرة، طلبت بعدها من الـ «دي جيه» أن يرفع الصوت للدرجة التي تجعلني أري المهنئين مجرد شفايف متحركة ولكن كنت أري رغم كل هذه الضوضاء في أعينهم شماتة ما، إلي أن استطاع صديق حكيم أن يتسلل إلي أذني في لحظة صمت قبل البوفيه قائلاً: (لما نشوف هتعرف تكتب بعد الجواز ولا لأ) لم أستطع أن أرد عليه فأجهز علي تمامًا بجملة جديدة: (لعلمك هتفقد جزءًا كبيرًا من شعبيتك بعد الجواز). عاد بعدها إلي مقعده وتركني أفكر في الأسماء التي دمرها الزواج، قلت لنفسي: كل الكبار تزوجوا (جاهين وحداد ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وأبو تريكة وعمرو دياب)، فكرت في الأسماء التي كانت العزوبية سر نجاحها فلم أجد سوي الكابتن ميمي الشربيني الذي لم يتزوج لكنه أنجب جيلين من المعلقين يتحدثون بأسلوبه ويستخدمون مفرداته، والفنان زكي رستم الذي ترك الحبل علي الغارب للفنانة فاتن حمامة في سيدة القصر حتي تشنق به نفسها فكانت النتيجة أنها أهملت تربية طفلها وجدي العربي الذي ما أن كبر حتي اعتزل التمثيل، والفنان عبد الحليم حافظ الذي منحته الوحدة جاذبية وتعاطفًا ما لكن من أين لي ببلهارسيا تضمن لي كل هذا النجاح؟ التهاني موجعة، حتي أقرب أصدقائي قدَّم لي التهنئة المتعارف عليها بين العريس وشلة أصدقائه الذكور وهي تهنئة أشبه بالتحرش الجنسي قدمها لي صديقي بالنيابة عن الشلة وعلي وجهه ابتسامة الأطفال ثم سألني (تمام كده؟) قلت له: (والله كنت خايف تنسوا)، حتي صديقي أحمد سعد اختار أن يجاملني بأغنية «أكدب عليك» وظل لمدة نصف ساعة يكرر جملة واحدة: (شوف كنا في إيه وبقينا في إيه)، حتي أستاذي حمدي قنديل الذي وضعت صورتي معه في الفرح في صدارة المكتبة قال لي: (مستنيين نشوف هتكتب إيه بعد الجواز)، حتي ابن شقيقتي (طاهر) لم تعلق بأذنيه من بين كل الأغاني التي لعبها الـ «دي جيه» سوي أغنية واحدة أمسك بساقي أثناء خروجي من القاعة وهو يغنيها راقصًا (سو يا سو.. حبيبي حبسوه). تزوجت واللي حصل حصل هاعمل إيه يعني؟، تزوجت وأنا أعرف أن الزواج لأمثالي هو عملية خصخصة ستحولني من (عمر طاهر) إلي (عمر أفندي) لكن عزائي الوحيد أن خصخصتي لم تتم علي يد رجل أعمال سعودي ولكن علي يد بنوتة مصرية من السيدة زينب. تزوجت ولم أشعر بالخطر الذي لفت نظري إليه المهنئون، يكفيني أن أجلس لأكتب فتطرق زوجتي باب مكتبي كل قليل لتسألني (أعمل لك حاجة تشربها؟)، يكفيني كل هذا الدفء والاهتمام الذي فتح شهيتي للكتابة مجددًا وجعل أصابعي تستعيد لياقتها، وها أنا أكتب أول مقال لي بعد الزواج وأراه مقالاً جيدًا وناجحًا، والصراحة أنا مدين بهذا المقال الجيد لزوجتي والتي لولاها ولولا اهتمامها لكان هذا المقال أفضل من كده بكتير.

عمر طاهر

No comments:

Post a Comment