Sunday, April 4, 2010

شم النسيم فوق السطوح



تعودت لسنوات طويلة الاحتفال بشم النسيم فوق سطوح منزلنا، ولا أدرى سر ذلك التعود وأنا الذى كنت أشم النسيم صغيراً فى جنينة الحيوانات بالجيزة وعين حلوان (الله يرحمها ويحسن إليها) أيام ما كانت مكاناً للإستشفاء مع باقة من أروع أنواع الفسيخ والسردين والرنجة والملوحة بالإضافة إلى الاكسسوارات الهامة مثل الليمون والملانة والخص، ثم لما كبرت تجول فجاءة مسرح الجريمة ليكون سطح بيتنا.

والحقيقة أن حادثاً كحادث تناول الإنسان للفسيخ لا يمكن حدوثه فى غرف المعيشة العادية لكنه يحتاج لمساحة شاسعة جديرة بتلك الكمية من العبق التاريخى المميز للأسماك المملحة، وحتى تكون روح الإنسان قريبة من السماء إذ ربما يقع حظه العاثر فى شحنة غذائية تالفة (واهو ده اللى كنت عامل حسابه) تأخذه من يده إلى الدار الأخرة عِدل.

وللنسيم طقوس هامة لشمّه منها تلوين – لامؤاخذة – البيض، حيث يأتى أبناء وبنات أخواتى من كل فج عميق حاملين البيض ولوازم التلوين فى حين أتولى أنا صناعة سلاطة الرنجة – وهى مزيج من قطع الرنجة الصغيرة مع قطع الليمون والبصل – وتجهيز السردين والفسيخ وكافة لوازم الإنتحار.

ولا أنسى طبعاً أن أرسل خالص التهانى للأخوة المسيحين وأن أعيّد عليهم، والعاقبة عندى فى عيد اللحمة وعيد الكحك، ثم أكتشف أن المصريين بكل فئاتهم قد حوّلوا كل الأعياد إلى أعياد غذائية بما في ذلك عيد الام – الذى تعد فيه الأم وليمة تليق بالمناسبة لأفراد الأسرة – حتى عيد الحب غالباً ما ينتهى نهاية درامية ترى فيها المُحب مزنوقاً عاقد الحاجبين فى احدى المطاعم الغالية وأمامه محبوبته وهى تتناول الدواجن واللحوم والديك الرومى، بينما هو يحاول جاهداً تقدير ثمن الطعام.

ولدى ملابس خاصة أسميها ملابس الفسيخ، وهى طقم ملابس أرتديه مرة واحدة فى العام ثم أقوم بغسله طوال العام، حيث أننى لا أعرف معنى كلمة شوكة وسكينة، وأرى أن الله حبانا بمجموعة لا بأس بها من الأصابع، حرصاً على نظافة الشوك والسكاكين، لذا فمن السهل أن ترانى على وجهى وكفى وملابسى أثار أكل الفسيخ والسردين والرنجة، ولا أستحى من ذلك، بل ربما أهب واقفاً عندما أراك قادماً لأخذك بالأحضان، وأحلف عليك واحشر فى جيبك فسيخة لزوم إكرام الضيف.

شم النسيم هذا العام له مذاق خاص، وسعادة خاصة أتمنى أن تغمر الجميع، وأن يكون شم النسيم هذا العام بشرى طيبة لأن نشم فى الأعوام القادمة الفسيخ والحرية أيضاً.

أحمد الصباغ

No comments:

Post a Comment