يمكنك أن تعتبر هذا المقال دعوة للكراهية إن أردت، يمكنك أن تعتبره طرطشة أفكار غير مرتبة، فكما تلاحظً أن الحب لا يطرطش منا بنفس طرطشة الكلام، وصحيح أننا جميعاً نرفع شعار التسامح والمحبة، لكن فى الواقع – كما تلاحظ معى – أن ما يتحقق من هذه الشعارات قليل جداً لا يسمن ولا يغنى من حب.
وربما الدعوة للكراهية تكون أكثر نفعاً وواقعية من الدعوة للحب فى مجتمع صار بوجهين، وجه مبتسم فى وشك، ووجه يفكر فى الطريقة الأسهل لقتلك، إذاً تعالوا فى هذه اللحظات السعيدة من شم النسيم، نتفق على الكراهية، وعلى أن يضمر كل منا الشر للأخر، وأن نغتاب بعضنا البعض، وأن يأكل كل منا – بدل الفسيخ – لحم أخيه ميتاً.
هيا بنا نكره الآخر، نكره المسيحيين نحن معشر المسلمين، ونكره الزملكاوية نحن معشر جمهور القافلة الحمراء، ونكره غير المصريين نحن معشر أبناء الحلوانى الشهير الذى بنى مصر، على أن يقوم المسحيون بكرهنا نحن المسلمون، وأن نشاركهم فى كره اليهود والبوذيين والمجوس الذين – بالطبع – يكرهوننا.
وبذلك يصبح العالم بستان من الكراهية والبغضاء والضغينة، وعندما ترى زملكاوية تعرف جيداً أنه يحمل خلف ظهره سكيناً، واذا رأيت مسلماً فاعرف انه يخفى مسدساً واذا شاهدت مسيحياً فاعلم انه قد نصب لك فخاً.
بزمتك مش تبقى عيشة حلوة، بدلاً من أن ترى الأخرين يبتسمون فى وجهك ثم تكتشف أنهم لا يحملون فى قلوبهم ما تحمله شفاههم.
والآن يمكن أن تعتبر هذا الكلام السابق أثر من أثار الفسيخ على الإنسان، وليس غريب أن يصدر عن انسان تناول ستة كيلو فسيخ وسردين، لكن الغريب أن هذه المفاهيم راسخة فى الكثير من الناس بحق، ربما لا تُعلن على الملأ لكنها بالتأكيد مبادئهم فى خلوتهم مع أقراتهم.
وقديماً كان الشرير واضحاً وضوح محمود المليجى فى فيلم موعد مع إبليس، ووضوح الشمس فوق سطح بيتنا، ينظر فى عينيك فتطل الكراهية من عينيه، تنظر فى وجهه فترى الضغينة واقفة فى وجهة وقوف إمراءة تنشر الغسيل فى البلكونة، ويتطاير الغل مع كلماته، ويتناثر الحقد مع نظراته.
أما الآن فمن الصعب جداً أن تميز صديقك من عدوك، صعب جداً جداً، وربما تظل حتى اللحظة الأخيرة متشككاً فى صدق محبته، أو تفاجئ بأن من تظنه عدواً يحمل لك الخير الكثير.
شوف يا سيدى..
البشر أنواع: نوع يراك فتلفت إنتباهه فيستمع لك ثم يقرر موقفاً تجاهك.. يحبك أو يكرهك، ونوع يراك فيأخذ قراراً بكرهك ثم يستمع لك وهو يكرهك ويكون كلامك – أياً كان – دليلاً على حقه فى كراهيتك.
والآن هل تحب أن تأخذ كلامى مأخذ الجد؛ فتبدأ فى كراهية الأخرين بوضوح وبدون زيف، أم تحب أن تأخذ فى اعتبارك الفسيخ الذى إلتهمته فتأخذ كلامى مأخذ الهزل فتعيد التفكير فى طريقة محبتك للآخرين ؟
أحمد الصباغ
No comments:
Post a Comment