فى الوقت الذى ستقرأ فيه هذا الكلام، سوف أكون بتباس .. حيث أننى قد قررت أن أكتب المقال ثم أدخل على أمى بالهدية التى يعقبها البوسة السنوية المعتادة.
وليس معنى هذا إن أمى لا تبوسنى سوى مرة فى العام، بل تبوسنى آلاف المرات خلال السنة، لكن هذه البوسة تحديداً هى الوحيدة التى تأتى بعد عطاء منى، أما باقى الالاف من البوس فيأتى بعد عطاء منها.
من زمان وأنا أتساءل فى حيرة : لماذا لا نسمع عن (بوسة أمويّة) مثلما توجد بوسة أبوية .. هل الأم ما بتعرفش تبوس كويس مثلما يجيد الأبهات (الخبرة) البوس، لقد أصبح الرجل يمتلك سلاح البوسة الأبوية .. فعندما تقفشه زوجته وهو يبوس الخدامة ذات السابعة عشرة، أو بنت الجيران ذات العشرين، يصيح مؤكداً فى خشوع وتقوى .. إنها بوسة أبوية.
أنا لا أكتب عن الأمهات بمناسبة عيد الأم، فأنا نادراً ما أكتب فى المناسبات التى يكتب فيها الجميع، ومعروف مسبقاً ما يكتب دائماً عن الأمهات فى تلك المناسبة .. (فضل الأمهات - عيد الأم حرام ولا حلال – الست دى أمى - ... الخ
لكننى أكتب عن الأمهات فى (أول عيد أم بعد الثورة) وبعد أن بكت أمى وأمك على الشهداء، وصلّت من أجل نصرتنا فى التحرير وباتت ليالى سوداء تتابع قناة الجزيرة لعلها تسمع خبرنا على الهواء..
أكتب بعد أن نزلت أمى وأمك لممارسة العملية الديمقراطية فى مشهد خيالى مهيب، وبعد أن أنكشفت حقيقة (ماما سوزان) وعرفنا كيف كانت الست أم علاء تحتضن المال العام وتضمه فى حنان إلى حسابها الخاص فى مشهد أمومى عجيب.
نتفق جميعاً أن الأمهات شاركن فى الثورة بطريق مباشر أو غير مباشر وليس موقف كل الأمهات من الثورة واحد، فهناك أنواع أمهاتية متعددة..
النوع الاول : الأم المناضلة
وهو نوع قد تكون لم تراه لكننى رأيته وهى أم فى السبعين كانت تنزل التحرير على رأس كتيبة من خمس رجالة (هم ولادها) تسبقهم إلى الميدان وتشد من أزرهم، وتصرخ فيهم إن رأتهم مخسعين .. هو أنا مخلفتش رجالة ولا إيه؟
النوع الثانى : الأم المعتادة
وهو نوع يمثل قطاع عريض من أمهات مصر اللاتى يقفن قلباً وقالباً مع الثورة بشرط .. أن يقوم بها الأخرون .. مش ولادها.
النوع الثالث : أم الفلول
الأم التى ترفض الثورة وتلعن سنسفيل جدود شباب التحرير البايظ .. بإختصار : أمهات الحزب الوطنى.
ولا يمنع أن يكون هذا النوع أما حنوناً تمتلئ بمشاعر الأمومة والعطف لكن .. على أولادها فقط .. مثل طنط عفاف التى احترقت إنهياراً على حمادة الذى لم يجد ريشة - توحد الله - يأكلها..
النوع الرابع : أم أحمد
وهى حاجة مختلفة عن كل الأمهات، فهى الأم التى تهفو فى جوف الليل تضرعاً إلى الله لنصرة الثوار وتدعو الله أن ينتقم من الظالمين ويشيل ويحط عليهم، وهى نفس الأم التى بعد خمس دقائق تلطم وترقع بالصوت الحيانى حينما تكتشف إنى لابس ونازل التحرير..
تصطنع المرض والإغماء والغيبوبة والكحة والجوع وأى حاجة قد تفيد فى إجبارى على البقاء فى البيت والإقلاع عن فكرة النزول، ولو إتخذت قراراً بعدم النزول تجدها قربت تلعب جمباز فى البيت.. أما لو نزلت فتقوم بالإتصال بى كل 3.2 ثانية للإطمئنان أن رصاصة لم تستقر فى رأسى بعد.
النوع الخامس : أم الشهيد
فى أحد أيام الثورة كنا على موعد مع مجموعة من أمهات الشهداء، منهم أُم فقدت عقلها على إبنها، وعصبت رأسها بعصابة سوداء، وصارت تصرخ وتصيح فى كل إتجاه.. ذوبتنا جميعاً بكاءاً وانفطاراً .. ودعوت الله أن أتحول إلى تراب حتى أتشرف وأسعد بأن تمشى علىّ تلك السيدة.
المهم..
لن أوصيك بأمك ولن أنصحك بأن تبوس يديها وقدميها فى كل وقتٍ وحين، ولن أنصحك بطاعتها وبرّها، فأنت راجل عندك أكونت على الفيسبوك وبالتأكيد أن هذه النصائح قد أسديت إليك آلاف المرات من قبل، ولازم تكون بتعمل كدة، لكننى اليوم سأغرد خارج السرب وسأوجه نصيحتى للأمهات ..
أمهاتنا العزيزات الغاليات الجميلات القديرات العظيمات : هناك من حولك من فقدوا أمهاتهن .. ابن اخوكى او ابن اختك او بنت جارتك او ابن أى حد تعرفيه.. هل نسألك أن تعطيهن فى هذا اليوم شيئاً من إهتمامك وامومتك وحنانك وسؤالك وعطفك؟
أما بخصوص عيد الأم حرام ولا حلال فقد سألت صديقة كنت أظنها عليمة بأمور الدين هذا السؤال، فأجابتنى فى تلقائية وصدق وانفعال : طبعاً حرام .. إزاى يعملوه يوم 21 واحنا مفلسين .. مفروض يبقى أول الشهر.
وأخيراً
أمى هى الوحيدة التى وهبتنى من كل سوائل جسمها .. من دمها حينما ولدتنى، ومن لبنها حينما أرضعتنى، ومن دموعها حين مرِضتُ.. وهى الأنثى الوحيدة أيضاً – أحم أحم – التى تبوسنى قدام الناس دون أن أشعر بالخجل.
أحمد الصباغ
No comments:
Post a Comment