Monday, September 29, 2008

حتى لا يحترق التاريخ

كان يوم أسود .. مأسوى .. اختلطت فيه النيران بالرماد والهباب .. والجدران المحترقة
والغبار والدخان الاسود بالصرخات
الناس فى ميدان العتبة يصرخون ويجرون فى كل مكان
عيونهم دامعة مذهولة غير مصدقة ما يحدث
الكل فى ميدان العتبة .. المثقف .. والفلاح .. والعامل .. والشاب .. والنساء
الكل يكتم دمعة فاره من عينة .. دمعة ساخنة تغلى
وأنا أقف مذهول أحدق فى النيران المشتعلة
أرى الان أمامى مصر تحترق
أرى مائة عام من تاريخ مصر تحترق
شريط الدخان الاسود المتصاعد
تتصاعد معه ذكريات مرورى الأول من أمام هذا الهيكل الفنى الرهيب

عندما استلمت عملى الحالى فى قصر النيل منذ ثلاث أعوام
كان ميدان العتبة هو محطة النزول بالنسبة لى كل صباح
كنت أنزل فى الميدان وأمام المسرح القومى فى السابعة والنصف صباحا
من " الميكروباص" قبل أن يكمل مسيرتة إلى رمسيس
والمسافة المتبقية أقطعها ماشيا من أمام المسرح مرورا بميدان الأوبرا
وجامع كخيا ثم شارع قصر النيل
كانت هذة رحلتى اليومية الصباحية
وكانت قطرات الندى تبلل الأرض وحالة من شبة الهدوء التام تسود المنطقة
قبل ازدحام الميدان بعد الساعة الثامنة
وكانت تبهرنى اللوحات الكبيرة القديمة على السور الخارجى
لرؤوساء المسرح القومى
جروج أبيض .. سميحة أيوب .. عبد الله غيث .. سعد أردش ..
عبد الرحيم الزرقانى .. كرم مطاوع .. سعد الدين وهبة .. وغيرهم
لوحات كبيرة أبيض وأسود لرؤوساء ونجوم المسرح القومى طوال قرن ونص
كان يبهرنى مبنى المسرح القومي بجمال التصميم وروعة الديكور داخليا وخارجيا
المبنى الذى اعتبرة تحفة معمارية أثرية ، يغلب على مواد بنائه الخشب
ويتكون من قاعة كبيرة تحمل اسم جورج أبيض
بالإضافة إلى قاعة أصغر تحمل اسم المخرج المسرحي والممثل عبد الرحيم الزرقاني
والآن .. أرى كل شئ يحترق
صروح من أجمل ما بنت مصر على مدار مئات السنين تحترق
المسرح الأول فى حياة المصريين .. يحترق
كما إحترق المبنى التاريخى فى مجلس الشورى
لم أستطع كتمان الدمعة مرة أخرى ففرت هاربة من عينى
لتحتضن الأرض .. وتضمها وتقول لها اغفرى لنا وسامحينا

أرجوكم .. إغلقوا المتاحف .. والمسارح .. اغلقوا المبانى التاريخية
وأخفوها خلف ستائر الظلام
دعوها حتى يمر هذا الزمان ويأتى جيل غيرنا
يحترم الفن .. ويقدس التاريخ
ويعرف قيمة ما بنته مصر
أرجوكم حتى لا تلعننا الأجيال القادمة
وحتى لا يلعننا التاريخ .. وتلعننا مصر
التى أسأنا لها كثيرا
وأتلفنا ما بناه رجال عظماء فى مئات السنين
لإننا لان نقدر الفن .. ولا نحترم قيمة العلم والادب
أتلفنا الأرض .. لاننا لا نقدر قيمة الزراعة
وبعنا المصانع .. وقتلنا الصناعة ، فاختفى الحرفى الماهر
وحرقنا وأتلفنا كل قيم وخالد فى مصر

-------
من أرشيف الصور





جورج أبيض

سلامة حجازى


أحمد الصباغ

No comments:

Post a Comment