Wednesday, July 29, 2009

حملة التسامح

بعد أن خبطتنى دعوة كريمة من القطة المشمشمية وجاءت الدعوة فى رأسى ، لكننى قررت أن أتسامح وأشارك فيها ، بما قل ودل ودل وقل ، وبدون لت وعجن ، وعجن ولت ، وبدون إطالة فى الكلام ، وإلقاء الكلام على عواهنه ، وإعادة كلام قيل من قبل ، وأنا أعلم أن القارئ ربما لا يتسامح معى إذا أضعت له وقته ، خصوصاً أننا داخلين رمضان ، ورمضان كما تعلمون هو شهر التسامح ، والسنة إتناشر شهر ، لذا فقد قررت أن أختصر رسالتى فيما لا يزيد عن ألف وإربعمائة سطر وربما أقل ، حتى لا يضيع وقت القارئ الكريم ، فيصير قارئ بخيل ولا يضع تعليقاً على هذا الموضوع المختصر.

ونحن على أعتاب شهر رمضان المعظم ، قامت مجموعة عزيزة من الإصدقاء بإطلاق حملة التسامح ، ودعوة الأصدقاء للمشاركة فى هذه الحملة بكتابة الموضوعات لتذكير النفس والغير بإحتياجنا الشديد لصفة التسامح مع الأخرين .. وأضيف أنا من عندى التسامح مع النفس أحياناً .

نحن الآن فى أشد الحاجة إلى فضيلة "التسامح" ..
فقدنا ثقافة الإختلاف ، ونسينا أن الله خلقنا بشر ، نخطئ ونصيب ، وصار التعصب والتطرف فى كل الأمور هو الثمة السائدة بين أهل الأرض فصارت الحروب والمعارك والمجازر ، والفتن الطائفية بين ذوى الأديان المختلفة ، وصار كل منهم يرى أنه أحق بالحياة ، وأن من سواه هم كفرة لا يستحقون الحياة بل أعطى البعض الحق لنفسه فصار يسلب حق الأخر فى الحياة.

وفى مجتمعنا .. فى مصر .. رأينا نماذج عديدة تستحق ان توصم بالشارة السوداء وتوضع فى لوحة الجهل والتعصب والتطرف .. مسلمون ومسيحيون وبهائيون يتبادلون الإتهامات ويتقاتلون بل يصل الأمر لحرق المنازل وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق ، ولو كان واحداً منهم يتحلى بفضيلة التسامح ، لدعا إلى الله بالتى هى أحسن ، ونبذ العنف الذى لا يولد إلا عنفاً مضاد.

ولو فهمنا سنة الإختلاف التى خُلق الإنسان عليا ، وتفهمنا أن لولا إختلاف الآراء لبارت السلع ، وأن الناس فيما يعشقون مذاهبُ ، لصارت الحياة أجمل ، ولخلت القلوب من الضغائن ، ولعفونا عن الصغائر وتجاوزناها.

ولقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا عشرات الأمثلة فى التسامح والعفو عند المقدرة وسار من بعده على دربه الصحابة والتابعين بل إن سيد الأمة قد لخص فضائل الدنيا فى كلمات بسيطة حين قال عليه الصلاة والسلام "أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك". .. وإسمحوا لى أن أنقل لكم بعض من صور التسامح عند رسولنا العظيم :
- إنَّ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم استقبل وفد نصارى الحبشة، وأكرمهم بنفسه وقال  "إنَّهم كانوا لأصحابنا مكرمين، فأحبُّ أنْ أكرمهم بنفسي " .

-  استقبل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وفد نصارى نجران ، وسمح لهم بإقامة الصلاة في مسجده..

-  استقبل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم هديةً من المقوقس في مصر، وهي الجارية التي أنجبت إبراهيمَ ولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ثمَّ وقف فقال " استوصوا بالقـبـط خيرا، فإنَّ لي فيهم نسبا ً وصهرا " .

-  وكمثال أيضا على التسامح في حياة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، ذلكم الرجل المشرك مُطعِم بن عدي، الذي قدَّم مساعدة للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم يوم دخل النبيُّ (ص) في حِماه، حينما عاد من الطائف، دخل في حماه إلى مكة،ثمَّ ذهبت الأيام، وتوالت، وإذ بمطعم يموت كافرا ً، أما وأنَّه قدَّم خدمة للنبيِّ (ص) فقد وقف حسان الشاعر المسلم رضي الله عنه، فرثاه فقال قصيدته التي أوَّلها :
فلو أنَّ دهراً أخلدَ مجدَه اليوم واحداً *** لأخلدَ الدَّهرُ مجدَه اليوم مطعما
فبكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

-  روي أن الرسول ص كان يحضر ولائم أهل الكتاب ويشيع جنائزهم ، ويعود مرضاهم ، ويزورهم ،ويكرمهم حتى روي أنه لما زاره وفد نصارى نجران فرش لهم عبائته ، ودعاهم إلى الجلوس
ولقد حرص الإسلام العظيم على دعوة المسلمين إلى التسامح ، وكانت رسالة التسامح الإولى عندما دعا إلى الإيمان بجميع الأنبياء ، دون تفريق بين نبي ونبي فكلهم جاءوا بدعوة واحدة ورسالة واحدة وهدف واحد .
قال تعالى "آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِل إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"

ودعا الإسلام إلى التعاون المثمر فى الآية الكريمة
"وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ"

وأوجب التعامل الحسن مع أهل الكتاب فى قوله
"الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"

فيا صديقى العزيز ..
أوصيك ونفسى .. ونفسى هى أشد النفوس إحتياجاً للتذكير بهذه الرسالة .. وأذكرك ونفسى بفضيلة ربما نكون نسيناها فى حياتنا المرهقة المشدودة المتوترة
التسامح هو نسيان الماضى السئ ، والنظر إلى مستقبل العلاقات الإنسانية فى ثوبها الجميل
التسامح هو صفاء القلب وخلوه من الضغائن والأحقاد
التسامح الدينى هو تقبل الأخر والإيمان بحقه فى الحياة والمعاملة الكريمة
التسامح هو إيمان عظيم بالله وفهم حقيقى لضعف المخلوق
التسامح يكون مع الأهل والأصدقاء والزملاء والجيران والمجتمع
التسامح هو الممحاة التى تمسح أثار الماضى التعيس

فدعـــونا نتسامح ونعطى مساحاتٍ شاسعة لصفاء القلب ..
وأتمنى أن تتسامحوا معى على طول المقال
أحمد الصباغ

No comments:

Post a Comment