Friday, January 9, 2009

فتاة الكشرى

كان الوقت بعد منتصف الليل بدقائق عندما دخلت مطعم الكشرى فى تلك المنطقة الهادئة الخالية تماماً من البشر .. وكان المطعم خالياً إلا من فتاة جميلة فى العشرينيات ، كانت تمارس"ضرب الكشرى" فى نهم .. وكان يبدو أنه الطبق الثانى وليس الأول .. وعندما رأتنى تحول النهم إلى خجل وهدوء و "ضرب كشرى" على إستحياء
نظرت بعيداً عنها حتى لا يزيد خجلها .. وجلست على مائدة فى مواجهتها .. وكنت أتحاشى النظر إليها إلا "بطرف عينى" فكانت تنظر لى من آن لأخر نظرة ذات مغزى لكننى لم أكن أفهم ذلك المغزى

سرحت بخيالى .. ياترى ما قصة هذة الفتاة التى تتناول الكشرى فى تلك المنطقة الهادئة جداً .. وفى ذلك البرد القارص وبعد منتصف الليل .. هل إشتاقت فجاءة للكشرى كما حدث لى .. هل كانت آتيه من عمل وعرجت على محل الكشرى فى تلك الساعة المتأخرة من الليل .. أم إنها تعانى مثلى من الوحدة فآثرت أن تسد رمقها بـ"كشرى" بدلاً من دخول المطبخ المزعج
إنتبهتُ من خيالاتى عندما فوجئت أن الفتاة قامت فى هدوء تتجه نحوى
إتسعت حدقتاى
وحدقت فى خطوتها الأنثوية الخاجلة نحو مائدتى .. تخيلتها تتطلب التعارف منى وتخيلتنى أعاملها بلطف ، وتخيلت أنه ربما ليس معها نقود وأنها تحتاج لنوبة كرم من شخص يعزمها على وجبة الكشرى أو إنها تحتاج لشخص يوصّلها إلى منزلها فى تلك الساعة المتأخرة من الليل وتلك الشوارع الخالية من الناس بفعل برد الشتاء القاسى .. وبرز لخيالى شيطانى اللدود ليمارس عمله التقليدى فأوهمنى أنها "فتاة ليل" وليست "فتاة كشرى" وأنها تبغى رجلاً ليكون "كمالة" لتلك الليلة العجيبة

إلا أننى شعرت بشبه صدمة عندما طلبت "إزازة الدقة" فى رقة وخجل
فقلت فى أدب "وخيبة أمل" : طبعا .. إتفضلى حضرتك
فتناولت "إزازة الدقة" واحتضنتها فى إنوثة طاغية .. وإنطلقت نحو مائدتها وأخذت تصب بعضاً من الدقة .. وإستمرت فى النظر المختلس إلىّ من آن لآخر وأنا منهمك فى ضرب طبقى ضرباً مبرحاً حتى أتيت عليه
أخرجتْ من شنطتها الصغيرة منديلاً ومسحت شفتيها الملطخة بالصلصة .. وجاء "عامل الكشرى" ويبدو أنها طلبت "طبق حلو" .. لم أكن أكلت "طبق حلو" فى محل كشرى فى حياتى
وكانت تجربة فريدة أن أطلب مثلها طبقاً من الآرز باللبن .. تذكرت وأنا أنظر إلى شعرها الأسود المنسدل كتاب "أرز بلبن لشخصين " لرحاب بسّام
غادرتْ محل الكشرى فى رقة ولطف وتركتْ فى المحل طيفاً ظل يحلق فى سمائى قليلاً إلى أن إنتهيت من المعركة ونسيتها أو تناسيتها وقد قررت الذهاب إلى الكافية لتناول كوباً ساخناً من حمص الشام

الغريب إننى عندما ذهبت إلى الكافيه لتناول ذلك الكوب الساخن من حمص الشام .. إرتعش نفس الكوب فى يد "فتاة الكشرى" عندى رأتنى أمامها فى نفس ذات الكافيه

وأدركتُ أنه كما أنَّ لليل محبينه .. فإن للكشرى وحمص الشام محبينهم أيضاً

أحمد الصباغ

No comments:

Post a Comment