Thursday, January 15, 2009

إسفكسيا التفاؤل الحادة


تنتابنى منذ الصغر نوبات أمل مفاجئة مرضية مزمنة وغير مبررة على الاطلاق وتأتى نوبات الأمل تلك فى أحلك الظروف وأسوأ الأوقات  .. فبعد أن تجدنى متشائماً فى الرخاء خوفاً من الغد المجهول الذى ربما يأتى بالكثير من السواد .. تجدنى فى عز السواد وأشد الأزمات متهللاً منفرج الأسارير وفى حالة إنشكاح
حتى إن أمى أطلقت علىّ لقبى الشهير الذى أعتز به للغاية وهو "الشريك المخالف" فقد لاحظت أمى منذ نعومة أظافرى إننى فى أوقات الفرح مثل الخروج والفسح والمناسبات لاحظت إننى "خميرة عكننة" وإنى دايماً "بقلبها غم" .. وفى وقت الوجوم والحزن والأسى تجدنى "مصهلل" و "ملعلع" و "مجلجل" وهى كلها صفات لشخص "عامل دماغ" وسعيد ومبسوط ولا يحمل للدنيا هموم
وهذة الأيام .. ومع أشد أيام العرب والمسلمين سواداً .. والجميع يرفعون رايات التعازى ، وصور الاطفال الشهداء تملأ كل الحيطان والأوراق ، حتى أن الجميع أدرك لا محالة أن النهاية قد جاءت وأن العرب قد ماتوا ، وأن المسلمين قد إنتهو ، وأن رايات النصر قد طُمست إلى الأبد ، وأن الدور فى الاغتصاب قادمُ علينا لا محالة ، وأن أبنائنا سيلعنونا بالتأكيد ويلعنون سنسفيل جدود أيامنا
فإذ بنوبة الأمل المزمنة تصيبنى .. ويطل عليّا شبح التفاؤل من شبابيك الغيب .. وتنتابنى كينونة السعادة والإنفراج .. إستعذت بالله من الشيطان الرجيم واتوضيت وصليت  ورحت للدكتور ..  لكن لا فائدة .. فقد أصابتنى نوبة أمل شُعبية حادة فى منتصف السواد الحالك .. فإذ بى أرى كل شئ حولى يبتسم ، وكلُ بيبتسم حسب حالته
الشهداء فى فلسطين يبتسمون لإنهم نالوا أروع ما ينوله بنى آدم
والمقاومون المجاهدون يبتسمون لإنهم يقفون أمام الله عز وجل ويقدمون أشياء رخيصة عليهم ، يشترون الغالى بالرخيص
اليهود يبتسمون لإنهم رأو مئات القتلى من المسلمين وارتوو من دماء الشهداء وظنوا ان النصر قادمُ لا محالة وانهم اصابوا الإسلام فى مقتل
الحكومة المصرية تبتسم .. فقد كانت مجزرة غزة مرتعاً وملعباً لكل معدومى الضمير .. إستطاعوا بها ان يزايدو على القضية وأن يشوهوا صورة المقاومة وإن ينشروا كره التيارات الاسلامية فى قلوب المصريين ووصفها بالارهاب .. وان ينحّوا كل قضايا الفساد فى التعليم والصحة غيرة جانباً
الشعب المصرى يبتسم .. منهم من يبتسم بإعتبار أن الحكومة نكتة .. ومنهم من يبتسم لرؤية شهداء قد ضمنوا الجنة .. ومنهم من وجد منفعة فيما يحدث فأخذ منفعته وفتح بؤه على الضرفتين وهكذا
إننى أرى الآن النصر قريباً جدا
وأرى أمامى مصر وقد تحضّرت وتقدّمت وتقف فى مصاف الدول الكبرى
أرى أمامى المواطن المصرى غالياً سعيداً هانئاً مش عارف يودى الفلوس فين
أرى أمامى الخبز متوفر بشدة وأنه يأتى ديليفرى للمنازل مجاناً
أرى أمامى جمهورية فلسطين الإتحادية التى بلغ إقتصادها من أقوى عشر إقتصاديات دول فى العالم
أرى أمامى منتجع غزة السياحى الذى يأوى إليه المسلمين والناس من شتى أنحاء العالم ليستمتعوا بأوقاتهم ويزورا متاحف غزة التى تحتوى على حفريات وجماجم من عهود الظلم البائدة
أرى أمامى الأمم المتحدة وقد صارت ناطقاً بلسان الحق لا بلسان أمريكا الطاغية
أرى أمامى اليهود متفرقين فى شتى أنحاء العالم يطالبون بمأوى لهم وما من مجيب
أصدقائى الأعزاء
سامحونى وإغفروا لى .. فربما كنت مريضاً أستحق الشفقة إن قولت إننى كل يوم أنام ملء جفونى ولا أعانى من الأرق إطلاقاً .. ولا أجزع لرؤية قتلانا وأطفالنا ونسائنا تغتصب وتنتهك وأعراضنا تستباح .. وإننى اهز الشارع  بصوتى الجهور عندما أغنّى إثناء أخد دش حمام ساخن : الميّة تروى العطشان .. وتطفى جراح غزة ولبنان
من خواطر مواطن يستحق الشفقة والدعاء
أحمد الصباغ



-------
لحظة ميلاد وردة وسط أطـــــــــراف الجليد
لحظة ولادة أمـــــل .. واليأس مـاشى بعيــــد
لحظة مولـدك يا إبنى .. لحظة مـــــيلادى أنا
أنا رهـن يومك منتظر وقت ميلادى الســـعيد

No comments:

Post a Comment