ذاق الإنسان اللحمة منذ فجر التاريخ فإمتلأ سعادةً وشرورا ..
ودارت المعارك على ضفاف الأنهار وأمام محلات الكباب والكفتة، وعلى مدار عشر سنوات كانت أختى (غادة) التى تكره اللحمة تخفى منابها من قطع اللحم تحت الأطباق، وبعد إنتهاء الأكل ورفع الأطباق كانت أمى تكتشف أن أحداً لم يأكل لحمته .. وتبدأ التحرى عن صاحب اللحمة لتوبيخه وإجباره على أكلها.
ولا تجد أختى أكثر منى غلباناً لتلصق به تهمة عدم أكل اللحمة، تلك التهمة التى كنت أتقبلها وقلبى يتراقص من السعادة، لإنه عادةً يتم الحكم عليّ فيها بأكل تلك اللحمة .. وهذا الحكم تحديداً من أشد الأحكام القضائية طعامة.
ثم يأتى عيد الأضحى المجيد..
وتنتصر فيه الشعوب الغلبانة على الجوع، وترى اللحمة بعد غياب أزمنة جيولوجية، وتتراقص الأفخاذ الضانى والعجالى والبتلو والكندوز عند الجزارين، ويتراقص الجزارين أنفسهم، وتسيل الدماء الحمراء أنهاراً، فيستغلها عيال المنطقة فى عمل خمسة وخميسة على كل كائن حى وغير حى وتلطيخ الحوائط والعربات والجلاليب.
أما أنا فأحياناً تنتابنى كآبة الأعياد، وهى حالة تصيب البعض فى الأعياد والمناسبات السعيدة، وش نكد بعيد عنكم. أما الآن ومع إستقبال هذا العيد فتنتابنى سعادة غامرة، وتفاؤل حاد، ليس سببها قرب قدوم اللحمة، لا.
لكن ربما أشعر أن الليل قد أوشك على الإنتهاء .. نوبة تفاؤل حادة كتلك التى لا تعرف لها مصدراً .. الليل الذى تعيشه بلادى قد أوشك على الإستئذان بالرحيل .. اعلم أن الرحيل يحتاج أزمنة طويلة .. ولا يتم فى أكلة لحمة .. لكن إيماناً منى بأنه كلما إشتد ظلام الليل .. كلما إقترب الفجر .. وكلما زاد الجوع .. إقتربت اللحمة .. وأنا الآن أشم رائحة اللحمة من على بعد مسيرة يومين تفصلنا على العيد المبارك.
ومع إقتراب رائحة الشواء، أتقدم بكل سعادة ونشوة إلى كل أصدقائى وحبايبى وزملائى ومعارفى القريبين (واللى من بعيد لبعيد بإمنيات جميلة) .. يمتلئ بها قلبى لهم .. وأرجو أن تصل إلى كلٍ منهم فى قلبه .. وتنعرس سهام المحبة فيهم .. ويذكرونى بالخير أثناء أكل اللحمة.
وإتفضلوا معانا..
أحمد الصباغ
No comments:
Post a Comment