Saturday, November 14, 2009

الخـدود التى حسـمت المباراة



فى ليلة سرمدية حمراء لا منتاهية، يحفها الغموض والسكينة، ويكتنفها السكون المتوتر، أعدت العدة، كيس لب ضخم، وكوفيه حمراء فاقعٌ لونها، وشراب عليه علم مصر لزوم التشجيع الملتهب، وكوب لبن ضخم لزوم التقوية ضد السكتات القلبية.

إستيقظ الفجر من نومه .. وأيقظنى، فتحت عينى وتمطعتُ كما الديك الشركسى، وعندما قمت من السرير كان العصر على أدان، لبست هلاهيلى، وإنطلقت إلى وسط المدينة، حيث الأصحاب المهاوييس المرتدين الأحمر والأبيض والأسود، الحاملين البيرسول والولاعات، الرافعين الأعلام، الهاتفين بإسم مصر.

بدأت المباراة، ولو كانت هذه المباراة فى التسعينيات لكنا ما رأينا الهدف الأول الذى جاء فى أول تلات دقائق، حيث كانوا ينتقلون إلى إذاعة خارجية بعد مرور عشر دقايق، وكثيراً ما بدأت المباراة فى التليفزيون والنتيجة واحد صفر، لكن الحمد لله لقد إنتقلوا بنا إلى إذاعة خارجية أخر حاجة منذ ساعات قبل المباراة.

المباراة جميلة جداً، لكن الفتاة التى كانت تجلس قريباً منى جميلة أيضاً، ترتدى ملابس حمراء مسودّة، وحجابها ثلاث درجات أحمر وأبيض وأسود، جعل وجهها الملائكى الأبيض يهتف بإسم مصر .. وتتابعنى بنظرها من تحت لتحت، الأمر الذى جعل المباراة أكثر سخونة، واللعب أكثر حلاوة، وزادت نظراتها من وطنيتى أضعاف وأضعاف، وألهبت لفتاتها حماسى فصرت كما الفولة التى وضعت فى النار.

سارت المباراة على غير هوانا، وأنا الذى إعتقد أننا سنمطرهم بوابل من الأهداف، يجعل الفتاة الجميلة تنظر لى مع كل هدف، وكأننى أنا من أحرزته، وربما يمتد الأمر مع الهدف السبعتاشر إلى تهنئة حارة، لكن تأتى الأهداف بما لا تشتهى السفن، فالأهداف قليلة، والحالة جفاف، والتوتر يسيطر على الجميع، والنيران تشتعل .. فى علب البيروسول.

نظرت خلفى فوجدت على مد البصر بشر، من كل الطوائف وجميعهم كما الفولة التى وضعت فى النار، وفى الشوط الثانى بدأ فريق الجزائر يتلخبط، وأضعنا فرص هامة، وبدأت الفتاة الحسناء تنظر لى بقوة، فبدأت أنا اتلخبط، كلما نظرتُ إلى علم مصر المرسوم على خدودها إزداد عشقى لتراب الوطن، حتى اننى مع ضحكتها الساحرة عندما تزحلق أحد اللاعبين كنت قد هان عليا أن أتطوع فى الجيش دفاعاً عن العلم المرسوم على تلك الخدود.

ثم أعلن الحكم الرابع عن ستة دقائق وقت بدل ضائع، وشعرت فى تلك اللحظة كم من الوقت يضيع من عمر الإنسان، وكيف يدور العمر سريعاً دون أن نشعر، وإلتفتت البنت الرقيقة لى كمن يقول: أينعم يضيع العمر من بين أيدينا .. لكن شعرت أن ما تبقى من العمر كافٍ لإن يصنع الإنسان الكثير، فرد عليَّ عماد متعب بالهدف الثانى الذى أجل الحسم إلى يوم الخرطوم، وانفجرت الفرحة، وإرتسمت السعادة اللانهائية على خدود البنت المصرية الحلوة، لكن حجبها عن رؤيتى الحضن الذى تبادلتهُ مع صديقى، وبعد أن ذاب الحضن فى اللحظات الأخيرة من المباراة، ظهر وجهها مرة أخرى مرصعاً بآيات السعادة والهناء، وإنعكست نيران البيرسول على محياها، وشعرت بالعلم وكانه يرفرف على خدودها.

وأطلق الحكم نداء الخرطوم، لتغيب الفتاة الجميلة بخدودها المصرية، وتبتلعها شوارع القاهرة الملتهبة بالفرحة.

أحمد الصباغ


No comments:

Post a Comment