Friday, November 20, 2009

مصر المهزومـة



أنا من الجيل الذى لم يذق طعمأ للنصر..
نرفع علم مصر فقط عند الإصابة بنوبة أمل مفاجئة أثناء ماتشات الكرة، ونخفضه فى باقى الأوقات، وفى المدرسة كنا نحيى عموداً من الحديد المصدى (كنا نسميه خازوق المدرسة) .. عمود بلا علم ولا يحزنون.
وعندما كبرت وتخرجت من طفولتى إلى مصر أصبح مفيش علم.. لكن فيه يحزنون..

وقد إبتلانا الله فى بلادنا العربية .. وفى مصر والجزائر بإعلام تتحكم فيه مجموعة من خريجى مستشفى الأمراض النفسية وحفنة من الأغبياء الشمحطجية الزلنطحية النصابين، حولونا إلى عرائس فى مسرحهم وتمتعوا بصراع الديوك بين الأشقاء فى مصر والجزائر..

نحن تعودنا على الهزيمة والخروج من المونديال قبل أن يبدأ..
فى 1994 خرجنا على يد زيمبابوى وتأهلت الكميرون..
فى 1998 خرجنا وتأهلت تونس..
فى 2002 خرجنا وتأهلت السنغال..
فى 2006 خرجنا وتأهلت كوديفوار..
والآن أخرجتنا الجزائر بهزيمة مهينة بعد أن إحتفلنا عنجهياً بالصعود..

وهكذا تكيفنا..
وصارت الهزيمة تجرى فى دمنا، والخروج من العالم المُشرف أمراً عادياً، وتعودنا على القيام بدور السبع رجالة فى البطولات الإفريقية..

الكرة غالب ومغلوب..
 لكن من الشعوب من هو مغلوب دائماً وأبداً ولا يرى طعم النصر..
وأنا من الجيل الذى لم يذق طعمأ للنصر..
ومصر مهزومة، فى الملعب وخارجه..
فى الشارع، وفى البيت، وفى المدارس، والمصانع، فى كل شبر من أرض الوطن.. مصر مهزومة.
داخل الوطن وخارجه مهزومة بكل أنواع الهزيمة؛ العادى والكومبو..

مهزومة على أرصفة السلام الإسرائيلى، وعلى أعتاب الدبلوماسية الأمريكية، وبين أورق القضية الفلسطينية..

مهزومة بالرئيس، وبالجيل الثانى من الريس .. بالوريث وأخو الوريت وزوجة الوريث وأم الوريث سيدة مصر الأولى..

مهزومة بيوسف والى وبالمبيدات والمسرطنات والكيماويات.. ومهزومة بالإحصائيات التى أكدت أعلى نسبة فشل كلوى فى العالم لدينا.

مهزومة بـ لوقا بباوى الذى قال إن الجنين فى بطن امة يؤيد ويبايع مبارك. بباوى ذلك الذى فاجعنا وجهه الموالس من بين جماهير مصر فى المباراة، والذى كان ضمن بعثة مصر وجميعهم تجاوزوا التسعين ربيعاً وقد ذهبوا ليساندوا الفريق القومى.

مهزومة بأحمد شوبير ومرتضى منصور الذين حوّلا الإعلام الرياضى إلى شقة دعارة إيجار جديد وتراشقا أمامنا بالأصابع الوسطى، كما لو كنا شعباً من الأغوات.

فى مصر ننهزم ألاف المرات كل يوم..
ننهزم أمام طوابير العيش وفى الأوتوبيسات وعلى ضفاف المجارى..
ينهزم المواطن حرقاً فى القطارات ونهباً فى البنوك وتعذيباً فى الأقسام..
ينهزم الشباب أمام السواحل الإيطالية ويستقرون غرقى فى أمعاء السمك.
ينهزم الحجيج فى عبّارة ممدوح إسماعيل القابعة فى قلب البحر.
ننهزم دون أن نعترض، لإننا نؤمن بالمقولة التى تؤكد أنك لو لم تستطع منع إغتصابك فتمتع به.

حجة البليد مسح التختة..
ونحن ندارى بلادتنا وخيبتنا الثقيلة..
ندارى خيبتنا فى الخروج من كأس العالم للمرة الخامسة على التوالى..
رغم ما انفقوه وما اعلنوه من ملايين أخرجوها من جيوبنا لتكون هدايا للاعبين فى حالة الفوز والتأهل.. ولم نتأهل.
ندارى خيبتنا السياسية والإجتماعية والإقتصادية..
ندارى خيبة القطارات التى تهدر دم ألاف المصريين..
ندارى خيبتنا أمام أنفلونزا الطيور والخنازير وجميع الحيوانات التى داهمتنا فوجدتنا نعيش وسط الزبالة وعلى ضفاف المجارى فحصدت الأرواح..
ندارى خيبتنا ونتشطر على الجزائر..
لإن الجزائر لا تتحكم فى كرسى الحكم فى مصر..
لكن إسرائيل تتحكم..
وأمريكا تتحكم..
لذلك نسمح لإسرائيل بإن تقتل جنوداً على الحدود، ونسمح لرئيس وزرائها بسبّنا، ولشعبها بحرق علمنا، دون أن نرفع حتى شماعة لندافع بها عن أنفسنا..
بل نرتمى فى أحضانها، ونعقد الإتفاقيات والكويزات بمنتهى الحماس، ونسميها دولة صديقة، ونستقبل فنانيها ونحتضن سفيرها ونرفع علمها فوق النيل العظيم.

رأيت فى منطقة المعادى شاباً جزائرياً وقد أشبعه المتعصبون ضرباً، ولكن أولاد الحلال من الشعب إصطحبه إلى الصيدلية لتضميد جراحه.
ورأينا على شاشة التليفزيون وفى الجرائد الجزائريين يرفعون الأسلحة البيضاء والسوداء فى وجه المصريين.
وأقول للطرفين من موقعى هذا : جتكم نيلة..
جتكم خيبة..
جتكم وكسة أكثر من تلك الوكسة التى توصم جباهكم كل يوم وكل صباح..
لقد صرتم أضحوكة العالم، وإضحوكة إسرائيل، ولو طالعتم الصحف الإسرائيلية لشممتم رائحة الشماتة، لكننى متأكد بأنكم أيها المتعصبين الجهلة المتخلفين تجهلون القراءة، وتجيدون فقط الرشق بالطوب، والتلويح بالصابع الأوسط.

هل رأيت عمرو أديب وهو يسبّ الجزائر قبل المبارتين، وهل رأيت جريدة الشروق الجزائرية وهى تسب مصر والمصريين؟ رأيت إعلاماً متخلف.. وشعوب حمقاء تتحرك كما تتحرك العرائس فى مسرح الأطفال، والجميع يضحك علينا..

الإتحاد الأوربى بدوله ولغاته ودياناته والذين وحّدهم العقل والفكر والتحضر يضحك علينا ويبتسم، وأمريكا التى تنظر إلى التورتة فى إشتياق تضحك وتبتسم، وإسرائيل ذلك الجار النكد الذى دسه فى ظهرنا غبائنا وكسلنا وتواطئنا يضحك ويبتسم.

ونحن فقط نبكى ونتصارع ونتطاحن ونتشاحن ونتقاتل ونعادى بعضنا البعض، ولم يعد فينا رجلُ رشيد، والقرضاوى الذى دعا إلى التصالح وتهدئة الأمور وصفوه بالموالس والمتواطئ، وهم أحقر خلق الله وأغباهم لو يعلمون.

الحمد لله..
إستطعنا أن نقنع أنفسنا بأن الجزائر وحدها هى المخطئة وبأننا ملائكة هبطت من الغيب على السماء الدنيا لتنشر الخير والسلام، إستطعنا أن نقنع أنفسنا بأن الجزائريين هم من حطموا زجاج أتوبيسهم وبأن جماهيرنا أياديها بيضاء، إستطعنا أن نقنع أنفسنا بأن الشروق الجزائرية هى فقط الشيطان الحقير الذى يذكى نار الفتنة ويؤججها، وأن صحافتنا وإعلامنا ترفع راية الحق والعدل والحضارة..

لقد قررت قراراً أرجو أن أستطيع تنفيذه فى المستقبل وهو ألا أشاهد أو أشجع كرة مصرية مرة أخرى، ليس لكرهى للكرة ولكن لكرهى للوجوة القميئة التى تطل علينا دائماً فى الإستاد من المقصورة الرئيسية تمهيداً لتوريت الحكم وتوريثنا كما العبيد.

ويكفينى أن أغمض عينى وأحلم بوطن عربى متحضر وراقى وقوى وجاد ونظيف، وطن عربى يخلو من الحكام الديكتاتوريين ومن الإعلام الغبى المتعصب الموجه، وطن عربى مترابط يقف سداً واحداً أمام العدو الذى أوشك على القدوم وعلى دهسنا بأحذيته.

إلى كل جزائرى متحضر..
إلى كل جزائرى غاضب مما فعلوه الأغبياء والمتعصبين والحمقى..
إلى كل جزائرى يغير على عروبته ودينه..
تأكد أنه إذا إجتمعت قلوب المصريين على كراهيتك..
وإجتمعت قلوب إخوانك على كراهيتنا..
فتاكد أن هناك قلب واحد يحبك..
ويعلم أنك ضحية مثله..
ويدعو الله أن تزول الغمة، وينسحق المتعصبون الذين حرقوا علم بلادى وبلادك

ولك منى التحية والسلام

أحمد الصباغ

No comments:

Post a Comment