أخذتك الكاميرا إلى عالمِ سحرىّ بديع..
تحتضن الكاميرا فى عشق وهيام، تسير فى شوارع القاهرة، تستقبل نسائم الصباح الأولى، وتزيح قطرات الندى عن جبهتك، وتنطلق هائماً على وجهك، لا ترى من الدنيا عالمها الضوضائى المزعج، فقط ترى أزمنة، وعبقريات، ترى إبتسامات ودموع، وآلام وأفراح، يسير بك الزمن فى خطوات هادئة، فتسرع برفع الكاميرا سعياُ لإيقاف الزمن.
علمتك الكاميرا حب البشر..
وأرتك فى تجاعيد الوجه العجوز قصةَ حياة، وفى ابتسامة الطفل مستقبل أمم، عملتك حب الوجوه العابثة والعابسة، الكئيبة والضاحكة، الحالمة والمترقبة.. أفهمتك أن الإبتسامات تخفى ورائها آلام، والعيون تحكى قصص بشر، والتاملات تكمن خلفها أحداث جسام، تلمح مداعبة أيدى الرضيع لأصابع أمه، وملاحقة الأطفال للفقاعات المنطلقة من علبة مليئة بماء الصابون.. فتعرف أن للدنيا وجهٌ لا تراه أمام الكاميرا.
علمتك الكاميرا حب التاريخ..
أيقظتك الكاميرا من غفوتك.. تكتشف أن حولك آلاف الآثار التى تركَتها أجيال غابرة، تحكى عن حضارت زائلة منتهية، تبقّى منها جدران، وزخارف، ومآذن وشبايبك وقباب وبوابات، تأخذك الكاميرا إلى زمنٍ سحرى، تكسر حاجز الوقت، وتجول بك عبر العصور.
علمتك الكاميرا حب الطبيعة..
تخر ساجداً أمام إرتشاف النحلة للرحيق، وإلتقاط العصفورة للحبة، وإحتضان الصخور لشلال المياه، المنبثق من قلب الصخور، تذوب مسحوراً فى دوامات الرمل، وعبقرية الغروب، وتتأمل مأخوذا إنطلاق أول شعاع الفجر من قلب الظلام، وتسافر فى بحور الكون مع قرص القمر الفضى.
أسكنتك الكاميرا فى عالم روحانى مهيب..
ذوبتك فى دوران مولوىّ رهيب، وصوت المنشد يحملك إلى عالم ما وراء الأجساد، حيث تتلاقى الأروح هائمة فى مديح السماء، ترى فى أنوار التنورة إحتفالات العالم الخفى بصفاء الروح، تختطف من فم الزمان لقطة، فتذوب روحاً فى سماء الأمسية الملائكية.
غيرت الكاميرا حياتك، وأهدتك عيناً ثالثة، ترى منها ما لا ترى عيناك، وتسمع فيها أصواتاً لا تسمعها أذنك، وتشعر فيها بلفتات لا يشعرها جسدك المادىّ..
إحتضن كاميراتك.. وقبّلها.. وضعها على عينيك.. وإختلس من العمر لحظات.. تحياها خلف الكاميرا.. فتعيش عمراً غير ذلك العمر الذى يحياه الآخرون..
No comments:
Post a Comment