لمنظر اللحمة فى قلب الإنسان المصرى فرحة وشوقة تفوق فرحته بجواز ولادهُ ، ومكانة كبرى لا تماثلها سوى مكانة الذهب والماس والأحجار الكريمة ، و "فرحة اللحمة" هى حالة تنتاب المواطن عند رؤية اللحمة بعد غياب شهور طويلة ، تماماً مثل "دوار البحر" الذى يصيب راكباً لم يتعود على ركوب البحر
وهناك حالة "إسفكسيا اللحمة" وهى حالة تنتاب بعض الإشخاص المفاجيع عندما تتاح لهم فرصة أكل لحمة بكميات ضخمة ، وأعراضها احمرار فى العيون وتناحة وإسبهلال وتبريق وتضخم وإحمرار الإذن ، كما إن "جفاف اللحمة" هو أحد الأعراض الجانبية التى تصيب جيوب المواطن المصرى جراء محاولتة شراء لحمة لأولادة .. وتستمر هذة الحالة قرابة الشهر مع أخذ المسكنات والمهدئات
وكعادة الشعب المصرى عندما يعطى كل مناسباته مسميات غذائية فتجد " عيد الكحك " و " موسم الفسيخ" و "يوم العاشورا" تجد أيضا " عيد اللحمة " وهو إسم مجازى يطلقه المصريون على عيد الأضحى المبارك الذى يحتفل فيه جميع طوائف الشعب المصرى برؤية اللحمة
وينقسم الشعب المصرى إلى قسمين .. أغنياء وهم الطبقة الميسورة الحال التى تستطيع أن تأكل اللحمة مرة أول كل شهر ، و فقراء وهم الطبقة التى تأكل اللحمة فى عيد الأضحى المبارك وربما أيضاً فى مولد السيدة ومولد النبى ، مع إختلاف نوعيات اللحوم المستخدمة فى كل من الطبقتين .. فهناك لحم أحمر نقى صافى خالى الدهن والعظم ، وهناك لحم يتخللة بعض الدهن والعظم ، وهناك دهن وعظم يتخللهم بعض اللحمة
كما إن هناك فئة تأكل العظم ويسمونة "ماسورة" ، وهناك من يكتفى بفواكه اللحوم وهى الفشة والكرشة والسمين والممبار والطحال والكبدة واللسان ولحمة الراس والفتة ، بالإضافة إلى الكفته "الكور" وبتكون عبارة عن أرز يتخلله رائحة لحمة .. وجميع هذة الأشياء تجدها فى محالات " بحّــــة " و " حبايب السيدة " و " العهد الجديد " و " الركّــيب " و "شَــكل" و "أبو السعود" و "ضبّـــو" فى السيدة والحسين وشبرا وروض الفرج
واللحمة فى مصر - لمن لا يعرفها - هى شئ عجيب ونادر واحدى المكنونات ذات البهاء والسحر والشعوذة ، يراها المصريون عند الجزار فتخلب الألباب وتطير العقول وتخفق القلوب .. ولكنك إنت كنت قارئاً جيداً فى " سيكولوجيا اللحوم" فستجد أن هناك شعوب "متشحتفة" أكثر من المصريين ، ووصلت درجة إنبهارهم باللحمة حداً لا يوصف .. فتجد مثلا شعوباً تقوم بعبادة البقر وتقديس الطيور وتوقير الماعز وإحترام البط والوز ، و ربما تجد شعوباً تضع الضانى فى منزلة الأسرار المقدسة
وكما إن هناك "فرحة اللحمة" .. فإن هناك "لحمة الفرحة" .. حيث يعبر المصرى عن فرحته فى المناسبات المختلفة بتوزيع اللحمة .. بإعتبارها شئ غالى ونفيس ونادر ، ويبادر المصرى فى حالات الولادة والطهور والجواز وغيرها من المناسبات السعيدة بالتعبير عن فرحته العارمة بشراء كمية من اللحم وتوزيعها على أقربائة وجيران ومحبية
وإليك عزيزى القارئ بعض النصائح إن كنت مقبل على تجربة أكل اللحمة
أولاً :تماسك وإمسك أعصابك وهدى نفسك عند رؤية اللحمة للوهلة الأولى وعِـــد من واحد لغاية مائة وإجلس على أقرب مقعد
ثانياً : إبلع اللحمة بسرعة وبدون مضغ ، فربماً يصدر قرار وزارى يمنعك من إستكمال الأكل ، أو تدخل اللحمة ضمن قانون الطوارئ أو يتم إستصدار قانون جديد إسمه قانون العكاوى مثلاً
ثالثاً : إن أردت أن تعيش فى مصر حياه كريمة وتأكل لحمة كل شهر فعليك بزيارة الموالد ، وحلقات الذِكر ، وحفلات الطهور ، و إحرص على أن تكون ضيف دائم لموائد الرحمن فى رمضان
رابعاً : يمكنك تناول اللحمة من اليمين للشمال على الطريقة الشرقية ، أو حسب الطريقة الإفرنجية من الشمال لليمين
خامساً : لهواة أكل اللحمة النيه أو النص سوى تجنب ملاعبة الأطفال الأبرياء بعد الطعام
سادساً : إذا أكرمك الله وشاركت فى ذبح ضحية فعليك بحسن معاملة الخروف ، فهو متربى احسن تربية ولا يقل مقاماً عنك ، فهو أكل من نفس العلف الذى صنعت لك الحكومة منه الخبز .. يعنى فيه بينك وبينه عيش وملح
وأخيراً .. أتمنى لكم دوام فرحة اللحمة .. طوال العام
وأيضا أتمنى لكم المزيد من لحمة الفرحة
وأيضا أتمنى لكم المزيد من لحمة الفرحة
أحمد الصباغ
No comments:
Post a Comment