Monday, June 18, 2007

صورة واحد سيرياليزمي





هذه مجموعة صور مقلوبة لناس يعيشون بيننا، كل صورة منها قد تثير ابتسامتك في وضعها المقلوب.. فلا تحاول أن تعدلها حتى لا تسقط الابتسامة
أحمـد رجـب
******* السبت فكرى مشغول جدا بلوحتي الجديدة : الحلاق والقفا فبعد تفكير سيريالي استطلاعي استضماني استغراقي ، توصلت إلى أن القفا لا يفارق عيون أي حلاق .. فهو فى المحل أمامه قفا ، وهو في الشارع تنجذب عيونه إلى أي قفا يمر به ، فإن كان ذلك القفا طويل الشعر, لعبت أصابعه – غصب عنه – رقصة المقص ، و إن كان القفا حليقا, نظر بعين الناقد إلى فنية الشغل، والخلاصة أن عيون الحلاق مشتبكة بكل قفا في كل مكان و زمان, فالدنيا عنده قفا, والحياة عنده قفا.. ولذلك قررت أن يكون مضمون اللوحة مضمونا قويا سرياليا
*******
الثلاثاء منهمك في اللوحة.. و لقد اعتذرت عن عدم حضور اجتماع جمعيتنا السريالية العليا التي تضم رواد مذهبنا العظيم في كل ميدان من ميادين الفن: الرسام الكبير زكي هلاوس, الكاتب الطليعي عبده المجنون, المخرج الطليعي فهمي بارانويا, المثال العظيم أحمد عباسية, الموسيقار الكبير حنفي مورستان
*******
الأربعاء مشغول في اللوحة زارنى زميلي أحمد عباسية ومعه تمثال الصبر الذي ناقشته الجممعية في اجتماعها أمس, بهرني التمثال حقا لما احتواه من مضمون استنباطي ميتافيزيقي, فالتمثال عبارة عن قالب طوب أحمر مكتوب عليه: مصنع طوب أبو جبل.. تأملت التمثال لمدة ساعة محلقا بفكري في آفاق ما فوق الواقع وما وراء الطبيعة.. ولم أتمالك نفسي من شدة الإعجاب فقمت احتضن أحمد عباسية بشدة مهنئا على تلك التحفة الفنية الرائعة
*******
الاثنين أنا سعيد.. أنا سعيد.. فقد انتهيت اليوم من لوحتى الخالدة: الحلاق والقفا.. وعرضتها على إخوتي الثلاثة في البيت فلم يفهمها أي واحد منهم مع أنهم من هواة ذلك المذهب العظيم ويسمون أنفسهم فرقة الأشبال السيريالية فقد حملق أخي الكبير في صورة القفا الذي رسمته ثم قال: دي صورة زمبلكفعارضه أخي الأوسط بعد طول تدقيق في اللوحة.. مؤكدا أنها صورة مكرونة اسباجيتي مدلّلا على ذلك برمزيّة النقط الحمراء, فالنقط الحمراء ترمز إلى الصلصة باللحمة المفرومة لزوم الاسباجيتي, بينما أكد أخي الأصغر فى ثقة أنها صورة صفيحة زبالةكنت في قمة سعادتي وهم يتخبطون, و بحركة من يدي أوقفت مناقشاتهم قائلا: هذه صورة قفا أما عيون الحلاقفعادوا جميعا يحملقون في اللوحة صامتين بينما قلت أنا: ألا ترون عيون الحلاق..؟فأمعنوا التفرس في اللوحة طويلا بحثا عن عيون الحلاق, وأخيرا أعلنت لهم أنني لم أرسم عيون الحلاق لأن المفروض أن تكون عيون الحلاق أمام القفا, أي أمام اللوحة.. فلا يمكن رسمها في الصورة طبعا, و إنما يجب إدراك ذلك بالتصور السيريالي الأعلى للاوعي الاستقرائي.. فهزوا رؤوسهم في راحة, و أشار أخي الأوسط إلى الهواء – أمام اللوحة – قائلا: فعلا هذه هي عيون الأسطىوسألني زوج أختي عن معنى الخطوط اللولبية الغليظة التي يتكون منها القفا فقلت له أن هذه الخطوط هى المصارين المصارين..؟؟ -هكذا تساءل فى دهشة فأفهمته أنه مادام الانسان هو مجرد قفا في نظر الحلاق, فيجب أن تكون المصارين والقلب والمعدة والطحال والكبد وخلافه داخل القفا, و استوضحني فعدت أقول أن الانسان في نظر الحلاق يتركز في القفا فقط ولهذا يجب أن تضم صورة القفا جميع أعضاء الانسان, فهذه الخطوط اللولبية هي المصارين, أما النقط الحمراء فهي رموز سيريالية للقلب والكبد و خلافه وإن كان الجهلاء يفسرونها بأنها حبوب القفا إذا عرفوا أن هذا قفا.. انبهرت فرقة الأشبال باللوحة انبهارا شديدا بعد هذا التفسير الاستنباطي
*******
الثلاثاء حضرت ندوة الجمعية اليومكانت ندوة رائعة استهلها الموسيقار السيريالي الكبير حنفي مورستان بعزف مقطوعة عاطفية اسمها: مضمون حبيبي.. عزفها موسيقارنا بمفرده على البيانو والكمنجة والعود والطبلة في وقت واحد.. يده اليمنى كانت على أوتار العود الموضوع فوق البيانو, يده اليسرى على البيانو.. بين أسنانه قوس الكمنجة, أحمد عباسية يمسك له بالكمنجة بينما رِجل الموسيقار تدق الطبلة على الأرضكانت لحظات باهرة استمتعنا فيها بنغمات طليعية مذهلة نابعة من اللاوعي الخامد فى أعماقنا كحمار عظيم نائم من التعبو عندما انتهى منها استعدناه, و فى المرة الثانية عزف المقطوعة بنغمات أخرى مختلفة تماما عن المرة الأولى ، مؤكدا بذلك مقدرته السيريالية الفائقةو بعد ذلك أعلن سكرتير الندوة الفنان زكي هلاوس أن كاتبنا السيريالي الكبير عبده المجنون سوف يتحفنا بآخر انتاج له وهو قصته الجديدة: هك يك.. فشد انتباهنا ذلك العنوان السيريالي المشوّق الذي يحرك كل عضلات اللاوعي المسطولة في أعماقنا لكى تنشط وتستنبط المفاهيم الانضمانية العلياوبدأ الأستاذ عبده المجنون في قراءة قصته الرائعة حتى فوجئنا بالمخرج فهمي بارانويا يلطم خديه إعجابا بالفقرة التى يقول فيها الأستاذ المجنون: ومشى في الطريق يغني في سعادة عظيمة, فقد كان يعاني تعاسة فظيعة.. كان الغناء يتصاعد من حواجبه السفلى في نشوة متألمة حتى توقف وهو يمشي ومشى و أقدامه لا تتحرك.. وعند حافة الفنجال استطال الحبل حتى قصر قصرا شديدا وزاد طوله انكماشا فى تلك الآونة المزدانة بأوراق نضرة شديدة الجفاف, الحمراء ولكنها بيضاء, حلوة شديدة المرارة فى حلقوم حذائه الأسود, فصرخ حاجباه صرخة مدوية بينما افترت أذنه عن ابتسامة هادئة كشفت عن أسنانه الذهبية فى طبلة الأذن, وأخرج لسانه من أنفه ليمسح به شعره الأخضر ونظر بفمه إلى الطريق وقد ندت عن حاجبيه صيحة قوية: هك يكفجاءته الأصداء مرددة: يك هكو على الفور لاحت فى الأفق جموع هائلة من مشابك الغسيل تعدو نحوه.. فصرخ فى فزع: أنا مكنسة.. أنا مكنسةو انبطح على الأرض زاحفا ليكنس الطريق, فوجد الأسفلت رز بلبن وقد نبتت فيه زهور الباذنجان والكفتةوعندما هدأنا من روع المخرج فهمى بارانويا فوجئنا بالأستاذ عبده المجنون يأكل الورقة التي كان يقرأ منها و هو يصيح بشدة: أنا مكنسة.. أنا مكنسة فاحتضناه جميعا مهنئين بتلك اللحظة الرائعة من لحظات اكتشاف اللاوعي عنده بأن حقيقته الانسانية هي مجرد مكنسة.. تلك اللحظات المضيئة التي كانت تعاوده من حين لآخر عندما كان نزيلا بمستشفى الخانكة و تحدث بعد ذلك المخرج فهمى بارانويا مشيدا بتلك العبقرية الخلاقة و أعلن أنه سوف يخرج قصة هك يك للمسرح ليضيف إلى التراث المسرحى العالمي رصيدا جديدا سوف يخلد على الزمان.. وأعقب ذلك مناقشة في دراسة لوحة الفنان زكي هلاوس, و هي لوحة سيريالية بعنوان: زمهرير الشتاء, و إن كان لم يكتب اسم اللوحة فوقها, و تعاقبت التعليقات تمتدح اللوحة الرائعة, فقال المثال أحمد عباسية أن الألوان والخطوط توحي بجو شديد الحرارة ثم فتح قميصه وراح يهوي على وجهه من الحر بسبب تأثير اللوحة, بينما قال عبده المجنون أن الألوان والخطوط توحي بنسمة ربيعية نشوانة همدانة حيرانة, وعلّق الموسيقار حنفي مورستان قائلا أن اللوحة توحي بصوت صفارة قطار تدارسنا اللوحة دراسة استنباطية عميقة تشعبت فيها المناقشات وانتهت الندوة عند هذا الحد
*******
الجمعة ذهبنا جميعا لزيارة زميلنا السابق في الجمعية المهندس محمود محمود محمود بمستشفى العباسية, لقد دخل المستشفى كضحية من ضحايا التخلف الفني والعقلي عند الناس إذ كلفه واحد جاهل ببناء عمارة فبني له عمارة سيريالية رائعة ليس لها أبواب ولا نوافذ ولا غرف ولا سلالم ولا حاجة.. فأبلغ عنه الشرطةمسكين محمود محمود محمود
*******
السبت أرسلت لوحتي الجديدة: فاتنة.. لأشترك بها في معرض الفن السيريالي, لقد بهرت اللوحة المخرج فهمى بارانويا انبهارا شديدا و قال لي أنها توحي بمضمونها بصورة أمنا الغولةكان فهمي بارانويا في زيارتي ليكلف خادمي بطبخ عشرين كيلو أرز بلبن يفرش به أرض المسرح لمسرحية: هك يك للكاتب الطليعي عبده المجنون
*******
الأحد فازت لوحتي : فاتنة بالجائزة الأولى في المعرض
*******
الاثنين سافرت إلى الاسكندرية لتسلم الجائزة ، وجدت لوحتي معلقة بالمقلوب
من كتاب صور بالمقلوب للكاتب الساخر أحمد رجب دار اخبار اليوم

No comments:

Post a Comment